لم نتوقع هذا منك!
لم نتوقع هذا منك!
تكمن المسألة القاتلة في الفن في اعتياد الناس الفنان، حتى يعتاد هو نفسه، يعرف ما يتوقعه منه الناس، وحين يأتون لسماع الشعر متهيئين لسماع الفضائح السياسية، ويفاجئهم الشاعر بأنه سيتحدث عن الأطفال والحب، عندها يخيب ظنهم فيه، ويقولون: “لم نتوقع هذا منك” ، والهدف من كل ذلك ليس تخييب ظن الجمهور، بل هو عدم اعتياد النفس، والتخلص من الطمأنينة، واكتساب القلق مرة أخرى.
وظهرت حيونة الإنسان بسبب منعه من ممارسة حياته وإنسانيته بل ونسيانها، واعتياده إياها حتى يراها أمرًا طبيعيًّا، الحياة ؟ إنسانية الإنسان؟ كيف؟ من زعم أن الشعر لا يحب التفاصيل؟ فما تعريف الشعر إذن للإنسانية التي يريدها للبشر؟ المسألة بسيطة؛ أن يستيقظ الإنسان في الصباح بلا خوف، يسمع صغاره فيحس بأنه يحبهم، يتمشى في الشارع فلا يخاف من تطاول السلطات ولا تدهور سائق، يرى زهرة منفتحة ينعشه أريجها، ألا يضحك إلا حينما يسمع نكتة، ويغضب وقتما يحلو له أن يغضب.
ومن الضروري اليقظة وعدم التورط في اعتبار كل ذلك بسيطًا، فالمسألة أكثر تعقيدًا، وكل ذلك لم يعد يفعل، وانتشرت القيم والمبادئ المقيدة، التي أنزلت الإنسان إلى مستوى دون البشر. ويعترف الشاعر بأنه ينتمي إلى شعب – الشعب السوري – كان يُقتل ويضطهد طوال فترة حياته، بطرق كثيرة وبهدوء، وكان الضمير الإنساني حينئذٍ يكفي لدفع العالم إلى وضع حد للقاتل.
أما الآن فالضمير الإنساني لم يعد يكفي، فالبشر لا يعرفون بما يجري حولهم في العالم، على الرغم من التكنولوجيا الحديثة التي جعلت العالم أصغر، ولكنه عالم أصم تعمل فيه وسائط الإعلام والاتصالات وفق العقلية الغربية الإمبريالية، مع التركيز على أنه ليس هناك مشكلة في أي مكان ما دام يتهدَّد الإنسان الأبيض، ولهذا يكون زواج الأمير شارل أكثر أهمية من قصف المخيمات الفلسطينية.
الفكرة من كتاب دفاعًا عن الجنون
كيف ترى نظرة الإنسان المهدد إلى الثقافة والفنون والحياة؟ أية إضافة إلى الرصيد العصبي يمكن أن تشكِّلها وثيقة فنية تركها هندي أحمر حين أحس بقدوم الانهيار؟ ولمَ لا يكون الهندي أسمر؟!
في إمكان هذا الكتاب الإجابة عن التساؤلات المحيرة، إذ يحاول فيها الكاتب أن يعطي صورة عن المثقف في هذا الزمان، ومحاولة الإنسان لمنع نفسه من الانحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته شكلًا من أشكال الجنون، وهذه المقدمات قد تكون مقدمة لأبحاث أكثر شمولًا عن آلام الجميع.
مؤلف كتاب دفاعًا عن الجنون
ممدوح عدوان: كاتب وشاعر ومسرحي سوري، ولد في قرية قيرون (مصياف) عام 1941، تلقَّى تعليمه في مصياف، وتخرج في جامعة دمشق ونال الإجازة في اللغة الإنجليزية، عمل في الصحافة الأدبية، وبثَّ له التلفزيون العربي السوري عددًا من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، ونال عددًا من الجوائز في دول عربية عديدة.
ومن أهم أعماله:
الظل الأخضر.
وزيارة الملكة.
لو كنت فلسطينيًّا.
أقبل الزمن المستحيل.