لماذا الشعر الآن؟
لماذا الشعر الآن؟
آلاف اللافتات الثقافية التي تطالب بأدب للناس كلها هي لافتات خادعة، فهي ليست مهتمة بتثقيف الناس حقًّا وتعميق وعيهم، لكنها في الأصل تطالب بأدب يرضي السلطات ويزيد من فرص انقياد الرعية، أو بالأصح أن يتحول الفن إلى رعية، فالفن (الأدب) الذي لا يصل إلى الناس ولا يهتم به الناس ولا يحركهم ولا يتحرك بهم، لا يستفز الذين بيدهم المقدرات والسلطة.
لماذا الشعر إذًا؟ في عالم يصبح الشعر غير المخصي مرفوضًا، والشاعر مشبوهًا أكثر من الجاسوس، والشعر في الأساس إن لم يقل “لا” بشكل صاخب، فإنه لا يقبل أن يقول “نعم” ولو بقطع الرأس. فالعالم منذ البداية عالم مرتب ومحسوم، توزعت فيه الأدوار وتحددت المصالح، عالم فيه جلادون وضحايا، ولذا فالبشر منقسمون إلى طائفتين: طائفة تريد العالم كما هو لأنها مستفيدة منه، وطائفة تريد تغيير هذا العالم، والشاعر بالفعل منتمٍ إلى إحدى الطائفتين، وهذا كله ينفي قضية عدم تدخل الشعر في السياسة أو الاقتصاد، وتحويله إلى مادة للتسلية فقط أو لتخدير العالم على صورته الحالية.
فالشعر لا يريد تغيير العالم الآن وإحداث انقلاب عسكري، بل يطمح إلى إحداث ثورة؛ ثورة معرفية، تؤدي إلى تغيير نوعي في وعي المتلقي، وتغيير نظرة الإنسان في الحياة، ليتمكن من تغيير العالم. وهذا يعني أن الشعر لا يسعى إلى نيل رضا الناس، بل يسعى إلى نيل سخطهم، فهو لا يستطيع أن يكون جميلًا في عالم قبيح، ولعل في هذا ما يجعله مكروهًا، فهو يتقدم دائمًا كشاهد جريء لا يخشى من قول الحقيقة، يكشف كل إنسان أمام نفسه، وكثيرون لذلك يكرهون الشعر خشية الوقوف أمام أنفسهم ويشمون رائحتها الكريهة، هناك اللص الذي لا يريد أن يرى نفسه لصًّا، والمسروق الذي لا يريد الاعتراف بما خسره أو عجزه عن ملاحقة السارق والكثير والكثير.
الفكرة من كتاب دفاعًا عن الجنون
كيف ترى نظرة الإنسان المهدد إلى الثقافة والفنون والحياة؟ أية إضافة إلى الرصيد العصبي يمكن أن تشكِّلها وثيقة فنية تركها هندي أحمر حين أحس بقدوم الانهيار؟ ولمَ لا يكون الهندي أسمر؟!
في إمكان هذا الكتاب الإجابة عن التساؤلات المحيرة، إذ يحاول فيها الكاتب أن يعطي صورة عن المثقف في هذا الزمان، ومحاولة الإنسان لمنع نفسه من الانحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته شكلًا من أشكال الجنون، وهذه المقدمات قد تكون مقدمة لأبحاث أكثر شمولًا عن آلام الجميع.
مؤلف كتاب دفاعًا عن الجنون
ممدوح عدوان: كاتب وشاعر ومسرحي سوري، ولد في قرية قيرون (مصياف) عام 1941، تلقَّى تعليمه في مصياف، وتخرج في جامعة دمشق ونال الإجازة في اللغة الإنجليزية، عمل في الصحافة الأدبية، وبثَّ له التلفزيون العربي السوري عددًا من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، ونال عددًا من الجوائز في دول عربية عديدة.
ومن أهم أعماله:
الظل الأخضر.
وزيارة الملكة.
لو كنت فلسطينيًّا.
أقبل الزمن المستحيل.