بين الشعر والقراء
بين الشعر والقراء
أفضل ما يكتب هو ذلك الذي يُكتب وكأن أحدًا لن يقرأه، ذلك الذي يُكتب باطمئنان وبحرية، فقد يمارس الجميع ضغطًا على الكاتب دون أن يشعروا أو يشعر هو، يمارسونه بحبهم، بإعجابهم، باستهزائهم، بأي موقف يأخذونه من كتاباته؛ فيضغط الحب على الكاتب في اختيار الكلمات التي يحبونها، والاستهزاء يدفع الكاتب إلى تجنب أشياء يحبها ومقتنع بها تجنبًا لاستهزائهم، مجرد الإحساس بالجميع في أثناء الكتابة، يجعل الكاتب والكتابة مبعثرين..
والاهتمام بالناس لا يعني كتابة قصائد التعزية، فهذه ليست وظيفة الشعر، بل إن للشعر وظيفة واحدة وهي الدفاع عن إنسانية الإنسان، والفنان المبدع هو الفنان الصافي، أو الساعي نحو الصفاء وكشف الحقيقة “حقيقة إنسانيته”، يخترق كل قواعد الإنسانية، وعندما يجد نفسه مضطرًّا إلى العيش تحت تلك القواعد، تبدأ هنا أزمته كفنان، ويصدر الشعر الحقيقي عن هذه الأزمة.
وينبع الفن من الرغبة في ألا يفقد الإنسان صفاءه، ويصبح الهم الذاتي جذرًا لهموم الناس جميعًا، مهما تغير الزمان والمكان والظروف، ولهذا يموت الفن المهتم بالأمور اليومية والمشكلات السطحية، الفنان الحقيقي لا يهتم بالملابس المتسخة، بل يهتم للقذارة المتمكنة من العظام والدماء المنتنة في الشرايين، فهو لا يرى الأشياء بالعين المجردة، بل بنظرة مركبة.
والفنان لا يتوقف عطاؤه ولا يستطيع السكوت، وتختلف سمات الفنانين باختلاف طرقهم في البحث عن الآخرين في أثناء عملية الخلق، والفنان حين يخلق _ وخلقه دائمًا صرخة أو تحذير أو احتياج _ يكون منطلقًا من أزمة، فهو في الأزمة ليُعانيها، وخارج الأزمة ليطرحها في نتاجه، والفارق كبير بين من يصرخ لأن ثيابه اتسخت، ومن يصرخ لأنه على وشك الموت.
ولقد أنشئ جدار بين الجيل والفنان وبين الأفكار الجديدة الشابة، وهذا الجدار هو السطحية، وتعويد القارئ على القراءة السهلة اللا مسؤولة، وهذا يفسر سرعة انتشار القصص البوليسية والجنسية، والقصائد التي تحكي عن فلسطين ولم تضف شيئًا إلى وعي الناس، بل أعاقت تطور الفن وعطلت قدرة الإنسان العربي على التفكير، لذا من الضروري بذل الصبر والمجهود من فنان حقيقي ليصل إلى قارئ حقيقي.
الفكرة من كتاب دفاعًا عن الجنون
كيف ترى نظرة الإنسان المهدد إلى الثقافة والفنون والحياة؟ أية إضافة إلى الرصيد العصبي يمكن أن تشكِّلها وثيقة فنية تركها هندي أحمر حين أحس بقدوم الانهيار؟ ولمَ لا يكون الهندي أسمر؟!
في إمكان هذا الكتاب الإجابة عن التساؤلات المحيرة، إذ يحاول فيها الكاتب أن يعطي صورة عن المثقف في هذا الزمان، ومحاولة الإنسان لمنع نفسه من الانحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته شكلًا من أشكال الجنون، وهذه المقدمات قد تكون مقدمة لأبحاث أكثر شمولًا عن آلام الجميع.
مؤلف كتاب دفاعًا عن الجنون
ممدوح عدوان: كاتب وشاعر ومسرحي سوري، ولد في قرية قيرون (مصياف) عام 1941، تلقَّى تعليمه في مصياف، وتخرج في جامعة دمشق ونال الإجازة في اللغة الإنجليزية، عمل في الصحافة الأدبية، وبثَّ له التلفزيون العربي السوري عددًا من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، ونال عددًا من الجوائز في دول عربية عديدة.
ومن أهم أعماله:
الظل الأخضر.
وزيارة الملكة.
لو كنت فلسطينيًّا.
أقبل الزمن المستحيل.