الموقف الصحيح من إمكان المعرفة
الموقف الصحيح من إمكان المعرفة
إمكان المعرفة لا يعتبر مشكلة تحتاج إلى حل، إذ إن الشك في المعرفة وإنكار الحقائق مخالف للطبيعة البشرية، وإمكان الوصول إلى المعرفة اليقينية مسألة بديهية، وحقائق الأشياء ثابتة، والعِلم بها متحقق خلافًا لما ذهب إليه السفسطائيون، ونتيجة ذلك ذهب بعض علماء الإسلام إلى الإعراض عن مجادلة منكري الحقائق ومناظرتهم، لأن المناظرة إنما تكون بين اثنين بينهما أصول يُسلِّمون بأن حكمها الإثبات وأصول أخرى يسلِّمون بأن حكمها النفي، فإذا لم يكن لهؤلاء أصل مُجمع عليه بالنفي أو الإثبات فلا يُتصور مناظرتهم، ومن علماء الإسلام من أجاب عن شبههم ورد عليها بالتفصيل والإجمال.
ومن الأجوبة الإجمالية على السفسطائيين، هو سؤالهم: هل قولكم إنه لا حقيقة للأشياء حق هو أم باطل؟ فإن قالوا هو حق، فقد أثبتوا حقيقة ما، وإن قالوا باطل، فقد أقرُّوا ببطلان قولهم؛ وهذا من الإلزامات القوية التي أوردها الكثير ممن رد على السفسطائيين، وترجع قوة هذا الإلزام في أنهم لو أجابوا بالإيجاب فقد أثبتوا حقيقة معينة، وبالتالي سقط مذهبهم لتناقض قولهم إنه لا وجود للحقائق، وإن أجابوا بالنفي فقد أبطلوا قولهم وحكموا على مذهبهم بالبطلان.
كما أنه بالتدقيق في استدلالاتهم سنجد أنها تتضمن معرفة وإثباتًا لكثير من الحقائق مما ينقض مذهبهم، فهم يعرفون أن الصواب غير الخطأ، وأن المريض غير الصحيح، وأن البصير غير الضرير، وغير ذلك من الأمور التي يثبتون حقيقتها.
الفكرة من كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
تُعد نظرية المعرفة من أهم مباحث الفلسفة، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة، فكل فيلسوف وكل مذهب فلسفي لا بُد له من أصلٍ معرفي يُقيم عليه فلسفته، ونتيجة ذلك اختلف الفلاسفة تبعًا لاختلاف مصادر المعرفة لديهم وطُرق تحصيلها والوسائل الموصلة إليها، كما اختلفت نظرة كل مذهب فلسفي إلى الكون والوجود والحياة تبعًا لهذا الاختلاف في المصادر المعرفية، واتسمت جميعها بالاختزال، على عكس الإسلام الذي اتصف بالشمول وتَعدُّد مصادر المعرفة.
مؤلف كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
أحمد الكرساوي: كاتب وباحث في الفلسفة ونظرية المعرفة.