الحقائق المطلقة وموقف الإنسان منها
الحقائق المطلقة وموقف الإنسان منها
تعددت الاتجاهات للإجابة عن سؤال “هل هناك حقائق مطلقة؟”، فظهر “الاتجاه الشكّي” وتعددت صوره، فمن صوره “الشك المطلق” القائل باستحالة المعرفة وانعدام الثقة في الأدوات الموصلة إليها، وينقسم أصحاب الشك المطلق إلى ثلاثة أقسام، فمنهم “العندية” القائلين إن الحقيقة نسبية، وأن الإنسان هو مقياس كل شيء، فالحقيقة عندك هي ما تتراءى لك، والحقيقة عندي هي ما تتراءى لي، وبالتالي تتعدد الحقيقة بتعدد الأشخاص، ومنهم “العنادية” الذين يعاندون في إنكار الحقائق، ويدَّعون بأن لا موجود أصلًا؛ ومنهم كذلك “اللاأدرية” الذين يتوقَّفون في الحكم، فلا يثبتون شيئًا ولا ينفون شيئًا، لتكافؤ الحجج لديهم.
وقد دعمَ السفسطائيون شكَّهم المطلق بطعنهم في “الحواس”، ومن حججهم القول إن العين ترى المجداف منكسرًا في الماء ومستقيمًا خارجه؛ وقاموا أيضًا بالطعن في “العقل” ومن حججهم امتناع البرهنة على صدق العقل، حيث إذا أردنا أن نثبت قدرة العقل على المعرفة فلن نستطيع أن نفعل ذلك إلا بالاعتماد على العقل نفسه، وهذا إثبات الشيء بنفسه وهو دور مستحيل.
ومن صور الشك أيضًا “الشك الجزئي”، ويُقِر أصحاب هذا الاتجاه بأن المعرفة ممكنة عمومًا، ولكنهم أنكروا بعض أبواب تلك المعرفة؛ فمنهم من أنكر “الغيبيات” وهو المذهب الحِسي الذي حصرَ المعرفة في الحِس فقط؛ ومنهم من أنكر “الواقع الخارجي للأشياء”، ومنهم من أثبت نوعًا من الحقيقة ولكن قال بامتناع معرفتها؛ وهناك من أنكر “السببية”.
ومن صور الشك كذلك “الشك المنهجي”، حيث يقوم به الباحث بإرادته لاختبار ما لديه من معارف ومعلومات، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن المعرفة ممكنة، وأن العقل في استطاعته الوصول إلى اليقين والحقيقة، وأنه لا يقين بدون شك.
الفكرة من كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
تُعد نظرية المعرفة من أهم مباحث الفلسفة، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة، فكل فيلسوف وكل مذهب فلسفي لا بُد له من أصلٍ معرفي يُقيم عليه فلسفته، ونتيجة ذلك اختلف الفلاسفة تبعًا لاختلاف مصادر المعرفة لديهم وطُرق تحصيلها والوسائل الموصلة إليها، كما اختلفت نظرة كل مذهب فلسفي إلى الكون والوجود والحياة تبعًا لهذا الاختلاف في المصادر المعرفية، واتسمت جميعها بالاختزال، على عكس الإسلام الذي اتصف بالشمول وتَعدُّد مصادر المعرفة.
مؤلف كتاب مدخل إلى نظرية المعرفة
أحمد الكرساوي: كاتب وباحث في الفلسفة ونظرية المعرفة.