غزو الممالك والإمارات الحديثة
غزو الممالك والإمارات الحديثة
أما الممالك الحديثة فهي على نقيض نظيرتها القديمة، فمتى جار عليها أميرها تاقت إلى رفع الدعم عنه وربما فضلت عليه غيره ولو كان محتلًا، أملًا في أن يكون حاله أفضل ويصلح ما أفسده مَن سبقه، ويلاحظ أن أحلام اليقظة تلك هي الدافع وراء القلاقل والثورات، وكثيرًا ما يستخدمها البعض ممن يتربَّصون بتلك المملكة ويطمعون فيها كوقود لإثارة الاضطرابات داخلها نتيجة استخدام المكر والخديعة ونشر الشائعات وتهييج الرعية ليحملوا السلاح في وجه قادتهم، وعادةً ما تكون تلك الأحداث سببًا في انحدار الأمور إلى الأسوأ وتملُّك البؤس أكثر وأكثر من الرعية.
أما الأمير المغتصب إذا غلب أمره على بلد ما ودانت له، فعصره يكون أحط العصور، ذلك أنه يتسم بتضارب المصالح بين حاشيته من جهة وبين باقي رعيته من الجهة الأخرى، فهو بين مطرقة كره رعيته له وسندان مكر حاشيته به، فلا يستطيع أن يشد على حاشيته من الخونة لأن بقاء عرشه مرتبط بهم، كما أنه لن يستطيع إشباع نهمهم مهما أجزل لهم العطاء، ولكن ينبغي أن يدرك أن الأمر لن يستتبَّ له إذا قلب ظهر المجن لرعيته مهما استكثر من المال والرجال حوله، فالرعية هم درعه ضد أي معتدٍ على حكمه ومتى سقطت الدرع انكشفت المملكة.
أما إذا ثارت الرعية في المملكة الجديدة على الأمير فالحل يكون بإعمال البطش فيهم وقهرهم، فبعدها لن يجرؤ أحدهم على العصيان مرة أخرى، وحينها يطلق الأمير يده في المملكة ويلتقط محدثي الشغب ليؤدِّبهم ويجتثَّ جذورهم، وأيضًا يتلمَّس أضعف حلقاته ليعلم من أين أُوتي فيعالج الضعف في حكومته ويوطِّد حكم مملكته.
الفكرة من كتاب الأمير
“هذا السِّفر على وَجازته هو بحق إنجيل السياسة المعاصرة”.
تأتي أهمية كتاب الأمير من كونه أساسًا لفكر سياسي جديد، فهو يستقرئ طبائع الشعوب والحُكام وكيفية تكوُّن الممالك والإمارات، ويصف الطريق المعبَّد للسيطرة على الشعوب، كما يضع الحلول لما قد يعترض الأمير من عقبات في أثناء فرض حكمه على رعيِّته، وهذه هي سياسة الميكافيلية التي اشتهرت فيما بعد بمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”.
مؤلف كتاب الأمير
نيقولا مكيافيلي Niccolò Machiavelli: فيلسوف وسياسي إيطالي، وُلِدَ في فلورنسا عام ١٤٩٦م لأسرة نبيلة، لم يتلقَّ تعليمًا عاليًا ولكنه تثقَّف بقراءة الكتب الإغريقية والرومانية كما كان يفعل أبناء طبقته في ذلك العصر، عمِل بالسلك الدبلوماسي لجمهورية فلورنسا لأربعة عشر عامًا، ثم عُزِل وسُجِن ثم نُفيَ إلى الريف، وفي منفاه انعزل عن الحياة السياسية، تُوفِّي «مكيافيلِّي» بعدما داهمه المرض بعد أيام من عودته إلى فلورنسا عام ١٥٢٧م.
ويُعدُّ فكر «مكيافيلِّي» أحد أهم أعمدة عصر التنوير الأوروبي، وقد ترك ما يقارب الثلاثين كتابًا، ظل كتاب «الأمير» أشهرها على الإطلاق.