أيستحق التاريخ؟
أيستحق التاريخ؟
أما عن موطنه “ألمانيا” فنرى هيرمان هيسه يتحدث عن حالها بعد الحرب العالمية الثانية، ويختص بحديثه فئة المفكرين والمثقفين الذين شهدوا تعاظُم قوة هتلر منذ البداية، ووقفوا ضد ذلك وعارضوه، بل ومنهم من ضحَّى بمنصبه ورفاهيته، حتى جعلتهم المعاناة أكثر نضجًا وحكمة، وعلى الرغم من أنها تسببت في عدم قدرتهم على المشاركة العملية في إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب، لكنه يؤمن أنه في استطاعتهم أن يسهموا في تلك المشاركة فكريًّا وروحيًّا، وهذا بالفعل ما يحتاج إليه الشعب الألماني الذي تم تجريده من كل روحٍ وإرادة حرة.
يتذكر هيرمان هيسه أيام طفولته وحبه للتاريخ، ودراسته لأحداث الحرب البروسية الفرنسية عام 1870م والتي انتهت بسقوط الإمبراطورية الفرنسية وإعلان قيام الإمبراطورية الألمانية، مُتذكرًا ما درسه من الأعمال البطولية لبلاده في ذلك الوقت، ومُعتبرًا أن يوم “سيدان” -اسم بلدة فرنسية شهدت هزيمة فرنسا أمام ألمانيا- هو أعظم العطل الرسمية على مدى العام في ألمانيا، ولكنه عِلم أن سعادته بتلك الأيام لم تدُم طويلًا، فقد أصبح يرى أن هذا التاريخ الذي تم وضعه لم يكن إلا خدعة زيَّفها البالغون لكي يقلِّلوا من شأن قارئيه ومتعلميه، فليس التاريخ إلا محيطٌ من الآلام الفادحة.
ألم يلاحظ أحد أن المراحل الهادئة في الماضي مُيِّزَت بأن التاريخ فيها كان مغمورًا، لذا عُرفت بأنها أفضل الحقب، ولا يعني هذا أن تكون حياتَنا أسعد وأفضل عندما تكون هادئة وتخلو من الأحداث، ولكن ببساطة نستطيع أن نقول إن على الإنسان ألَّا يرغب في العظمة أو السعادة كهدف أسمى، بل أن يهدف إلى العقل الواعي اليقظ، والقلب الجسور حتى يستطيع تحمل السعادة والمعاناة معًا.
الفكرة من كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
يعدُّ الباحثون أن مُفكِّرًا بمكانة “هيرمان هيسه” عاصر أعظم حربين شهدهما العالم، وهو وأعماله بمثابة كنزٍ بشري، ولا نرى هنا مؤلفنا يتحدَّث عن أحداث الحرب، إنما يحلِّل حال بلادِه “ألمانيا” وحال أهلِه، ويأخذنا إلى خواطره ورسائله إلى وزيرٍ مسؤول وحتى إلى أصدقائه وأقاربه، فنرى أن عمله يُخاطب الرُّوح الإنسانية التي نشأت في جوٍّ من السياسة والحرب، متسائلًا: هل الحرب منبعها الأديان أم الناس؟ هل يجب على كل إنسان أن يحمل على عاتقه هدف تحسين العالم؟ أم يكفيه تحسين نفسه بكل ما هو إنساني؟ إن كانت الحرب تعمل على تفريق الشعب، فلماذا لا نلاحظ أن الثقافة تعمل على ترابطهم وانصهارهم؟
مؤلف كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
هيرمان هيسه Hermann Hesse: كاتب سويسري من أصل ألماني، عُرِف بكثرة خلافاته مع أسرته لتمسُّكها المفرط بالبروتستانتية، بعد إنهائه دراسته في مدرسة “آلان” في شتوتغارت اتجه إلى بعض الأعمال الشاقة كالعمل الميكانيكي في مصنع للساعات، ولكن اتجه بعدها إلى العمل في مكتبة في “توبنجن” التي كانت سببًا في ظهور موهبته ودخوله إلى المجال الأدبي، فبدأ بالشعر ثم اتجه إلى الروايات الفلسفية والتربوية، وحصل على جوائز كبرى كجائزة نوبل في الأدب وجائزة غوته عام 1946م.
من أهم كتبه ومؤلفاته: ذئب البوادي – رحلة إلى الشرق- رواية تحت الدولاب- لعبة الكريات الزجاجية.