ما بين المحايدين والتعصُّب القومي
ما بين المحايدين والتعصُّب القومي
يشير هيرمان هيسه في البداية إلى موقف من أسماهم بالمحايدين، وهم العلماء والفنانون والأدباء، وبمعنى أشمل فهم ذوو المقدرة على التأثير في الرأي وخدمة الإنسانية والسلام، ولا ينبغي أن يميلوا إلى طرفين متنازعين إذ تكمن مهامهم في هدف أسمى من ذلك، لذلك أسماهم بالمحايدين، ويجب على العالم مهما اختلف أن ينهل من معرفتهم وأهدافهم، لكن للأسف في فترة الحرب العالمية الأولى لم يكن الأمر كذلك، إذ رأينا دولًا تمنع نشر كتب ومنتجات ثقافية وبراءات اختراع لأعدائها، رغم انعدام أي علاقة لها بالحرب، بل وفي الوقت نفسه نجد بعض هؤلاء المحايدين ينسون مهامهم ويساعدون على إشعال الحرب، وكأن الوضع لا يكفيه أن يتم إغراقه أكثر وأكثر!
إن الحرب لم تكن إلا وليدة لتوقُّف العقل، ومنع التبادل الثقافي والعلمي اللذين يعملان على التآلف العالمي والسلام، وهذه طبيعة الأمر، فلو حدث غير ذلك لكان من المؤكد أن نشك في هذا الفن وهذه الثقافة الإنسانية.
ويذكر لنا الكاتب مثالًا عن المفكر الألماني “غوته” الذي تفانى بكتاباته في سبيل الإنسانية، ولم يهتم بالتعصب القومي المُبالغ فيه، مما أغضب المتعصبين القوميين الألمان الذين رأوه مفسدًا للعقل الألماني، لكنه لم يهتم وظل على فكرِه ورأيه، وهذا ما يجب أن يتصف به أولئك المحايدون من كياسة واعتدال وأخوَّة، مهما اختلفت أجناسهم واتجاهاتهم، وأن يكونوا هم الوجه المقابل للحرب، معتبرين العالم كله باختلافاته نسيجًا واحدًا للرُّقي الفكري والعلمي.
الفكرة من كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
يعدُّ الباحثون أن مُفكِّرًا بمكانة “هيرمان هيسه” عاصر أعظم حربين شهدهما العالم، وهو وأعماله بمثابة كنزٍ بشري، ولا نرى هنا مؤلفنا يتحدَّث عن أحداث الحرب، إنما يحلِّل حال بلادِه “ألمانيا” وحال أهلِه، ويأخذنا إلى خواطره ورسائله إلى وزيرٍ مسؤول وحتى إلى أصدقائه وأقاربه، فنرى أن عمله يُخاطب الرُّوح الإنسانية التي نشأت في جوٍّ من السياسة والحرب، متسائلًا: هل الحرب منبعها الأديان أم الناس؟ هل يجب على كل إنسان أن يحمل على عاتقه هدف تحسين العالم؟ أم يكفيه تحسين نفسه بكل ما هو إنساني؟ إن كانت الحرب تعمل على تفريق الشعب، فلماذا لا نلاحظ أن الثقافة تعمل على ترابطهم وانصهارهم؟
مؤلف كتاب إذا ما استمرت الحرب.. مذكرات في الحب والحرب والسلام
هيرمان هيسه Hermann Hesse: كاتب سويسري من أصل ألماني، عُرِف بكثرة خلافاته مع أسرته لتمسُّكها المفرط بالبروتستانتية، بعد إنهائه دراسته في مدرسة “آلان” في شتوتغارت اتجه إلى بعض الأعمال الشاقة كالعمل الميكانيكي في مصنع للساعات، ولكن اتجه بعدها إلى العمل في مكتبة في “توبنجن” التي كانت سببًا في ظهور موهبته ودخوله إلى المجال الأدبي، فبدأ بالشعر ثم اتجه إلى الروايات الفلسفية والتربوية، وحصل على جوائز كبرى كجائزة نوبل في الأدب وجائزة غوته عام 1946م.
من أهم كتبه ومؤلفاته: ذئب البوادي – رحلة إلى الشرق- رواية تحت الدولاب- لعبة الكريات الزجاجية.