الانتماء الحق
الانتماء الحق
حسنٌ إذًا بما أن الموقف السياسي في الشريعة اجتهادي في المقام الأول فكيف يُجعل مقياسًا للحكم على تدين حركة إسلامية على سواها! وكيف صُيِّر العمل السياسي ليكون غاية لا يقوم الإسلام إلا بها وتصبح السياسة هي طوق النجاة الوحيد للتدين! للأسف فقد وقع العديد من الحركات الإسلامية في هذا الفخ، وما هو إلا فخ نفسي صدامي تجاه السياسة فأصبحت توصف بالتطرف والغلو نتيجة لكونها بالغت في جزء من أجزاء الدين تصورًا أو ممارسة أو في كليهما.
وهذا الغلو له أسباب بالطبع متداخلة ومعقدة، ولعل منها فيما يخص العصر الحديث مثلًا تأسيس دولة الصهاينة بفلسطين ثم هزائم الدول العربية أمامها، وأيضًا الظلم السياسي الدعوي الذي تعرَّض له بعض الدعاة في بعض الدول الإسلامية، وأيضًا ما وقع من ظلم أمريكي عالمي لشعوب العالم الإسلامي خصوصًا بعد أحداث سبتمبر الشهيرة وأيضًا ظهور الحركة الماركسية والتأثر بالفكر الشيعي وتدهور الحالة الاجتماعية، وغير ذلك من أحداث دسمة أثرت نفسيًّا في الحركات الإسلامية وتصرُّفاتها.
من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك الحالة الصدامية السياسية للحركات الإسلامية أيضًا هو الجهل بالإسلام وغياب التوجيه ووضع الحواجز وبناء الأسوار بين الشباب الناشئ المفعم بالحركة والحيوية والحماس وبين أهل العلم والفقهاء لينمو بذلك الشك وتُفقد الثقة بين الطرفين على مر السنين، وهذا السبب نفسه هو الحل والعلاج والمنطلق، ففهم الإسلام الذي يعدُّ الرسالة الخاتمة من رب العالمين إلى الخلق بدستور هو كلام رب الخلق ومبيِّن ومفصَّل لذلك الدستور، أي السنة وهي الترياق النافع، فإذا أردنا الانطلاق بالدعوة الإسلامية من الدستور الرباني علينا أن نفهم أولًا الطبيعة القرآنية للدعوة الإسلامية، وأن نفهم الحاجات الدعوية المتجددة زمانًا ومكانًا للعباد والبلاد.
إن المجتمعات الإسلامية اليوم مهدَّدة بفقدان التطبيق السلوكي للعقيدة أفرادًا وجماعاتٍ، إلا أنه ومن الخطأ أن يكون الحل أن تعرض الحركات الإسلامية نفسها على أنها الدين أو أن المنتمي إلى جماعة أو حركة كذا هو المسلم والجماعة هي المنقذة وما سوى ذلك باطل وفساد! إن هذا التصور الذي تقع فيه بعض الحركات بقصد أو غير قصد يُشعر بخدمة الحركة نفسها والانتماء إليها أكثر من الانتماء إلى الدين، وعليه فإن الفهم الوجودي للدين يحمي الجميع من الانتماء والوقوع في تلك التصورات.
فقد جاء الإسلام ليُجيب عن أسئلة الإنسان الوجودية بخاصة، فعرَّفه بأصله ودوره وغايته الكبرى ومآله وانتمائه، وحول ذلك يدور القرآن كله، فمعنى الخلق ومفهومه وأصله والدلالة على الخالق والخلق وتعظيم هذا المعنى ومعانٍ أخرى من الملك والإنعام والابتلاء والإنشاء والمصير من النعم العظيمة الموجبة للشكر، وكما هو مبثوث في القرآن الكريم فقد كانت السنة المفصلة المبينة مشتملة عليه أيضًا ومن ذلك أن صحيح البخاري في كتاب بَدء الخلق حوى سبعة عشر بابًا ضمَّ كل باب أحاديث عديدة، وهذا المعنى من المهم إحياؤه في النفوس، فهو بشكل أو بآخر يمثل تجديد الدين الذي يقتضي تجديد العهد الإلهي في الوعي والوجدان وإحياءه في النفوس والمجتمعات.
الفكرة من كتاب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي
“إن مفتاح العمل الدعوي الإسلامي رهين أولًا وقبل كل شيء بتحقيق إسلاميته في نفسه! أي إنه لا بدَّ من مراجعة التصورات والمفاهيم والمناهج وسائر الوسائل التي تتبنَّاها هذه الجماعة أو تلك، أو يعرضها هذا المفكر أو ذاك كمشروع لتجديد الدين وإقامته في المجتمع”.
في عرض تفصيلي تحليلي مكثَّف يعرض الكاتب في هذا الكتاب القضية الإسلامية السياسية ليفحصها من جذورها، ويتدرَّج بالقارئ شيئًا فشيئًا، فيضع النتائج أمامه واضحة بيِّنة متوافقة مع الواقع ليجعله يتساءل متى التطبيق؟!
مؤلف كتاب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، كان عضوًا برابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو أستاذ كرسي التفسير بالجامع العتيق لمدينة مكناس، وخطيب جمعة وواعظ بعدد لجوامع مدينة مكناس.
له العديد من المؤلفات والكتب منها:
كاشف الأحزان ومسالح الأمان، والدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج، وبلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق.