رجل فقير المشاعر
رجل فقير المشاعر
تزوج والد بول في الرابعة والثلاثين، وانفصل في الثانية والخمسين، لكن لم يستمر الزواج كل هذه السنوات، بل استمر عدة أيام فقط، بعد ذلك لم يكن رجلًا متزوجًا ولا رجلًا مطلقًا، بل كان ذلك الشاب العازب، الذي أخذ استراحة من حياته بالزواج، وعلى الرغم من عدم تهرُّبه من واجباته العملية كزوج، فإنه ببساطة لم يكن يملك الموهبة اللازمة للقيام بالدور كاملًا، أما أم بول فكانت في الحادية والعشرين من عمرها عندما تزوَّجت والده، وكان سلوك والده في فترة الخِطبة لا ينم عن أي سوء، يمس كل واحد منهما كف الآخر أحيانًا، ويتبادلان قُبلة تمنِّي ليلة سعيدة، ولم يكن أي طرف يصرِّح بحبه للآخر، وعندما حان العرس، كان كلٌّ منهما إلى حدٍّ ما غريبًا عن الآخر.
ولم يمضِ الوقت لتدرك أمه خطأها، بأن هذا الزواج لن ينجح ولن يستمر، فقد عرفت ذلك قبل نهاية شهر العسل، وذهبت إلى أمها باكية، حاملة معها قرار الهجر، وأقنعتها أمها بطريقة ما بالعودة وتجربة العيش مع زوجها مرة أخرى، وعند ذلك حدث الحمل، وفجأة أصبح الوقت متأخرًا على فعل أي شيء، ويشعر هنا بول برعب فكرة أنه وُلد من خلال عناق خالٍ من الشغف، وكأن وجوده محض صدفة وخطأ!
وزاد هذا الوضع قسوة على أمه من خلال موقف والده من الولادة وما بعدها، حيث لم يذهب معها ولم يأتِ إليها إلا في اليوم التالي لولادتها، وشهد بول بنفسه على موقف والده من الولادة الثانية لأخته، وظن أن موقفه سيتغيَّر عند ولادة طفله، لكن في الحقيقة لم يثِر هذا الموقف أي مشاعر لديه، وقد رأى ابنه ثلاث أو أربع مرات خلال حياته، وكان لا يستطيع تمييزه بين حشد الأطفال المجهولين، لقد كان رجلًا صلبًا ومحايدًا، لا يمكن التنبؤ بسلوكه أبدًا، ولا يستطيع المرء التصديق أن في الدنيا رجلًا مفتقرًا إلى المشاعر مثله، يريد أقل القليل من الآخرين.
الفكرة من كتاب اختراع العزلة
ما من أمر باقٍ في أمور الحياة سوى الموت؛ هذه هي الحقيقة التي لا يمكن تبسيطها، يستطيع الأشخاص أن يرضوا بالموت ويرضوا بوقوعه بعد طول مرض، وأحيانًا يرجعونه إلى القدر في الحوادث العرضية، لكن أن يموت رجل دون سبب واضح، أن يموت لأنه رجل وحسب! فهذا ما يقرب الأشخاص من الحد الخفيِّ بين الحياة والموت!
يعدُّ هذا الكتاب مذكِّرات عن والد الكاتب بول أوستر الذي تُوفِّي على نحو غير متوقَّع.
مؤلف كتاب اختراع العزلة
بول أوستر Paul Auster: كاتب ومخرج أمريكي، ولد في 3 فبراير عام 1947، كان عضو الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وتعد كتاباته خليطًا بين العبثية والوجودية وأدب الجريمة، والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية، وقد ترجمت كتبه لأكثر من أربعين لغة.
وأبرز أعماله:
قصر القمر.
كتاب الأوهام.
ثلاثية نيويورك.
موسيقى الصدفة.
حماقات بروكلين.