بول وذكريات المنزل
بول وذكريات المنزل
تُوفِّي والد بول في منزل كبير، عاش فيه وحيدًا مدة خمسة عشر عامًا، ذاك المنزل الذي عاش فيه بول مع عائلته (الأب والأم والأخت) قبل انفصال والديه، حيث بدأت أمه بعد الانفصال في عيش حياة جديدة مع أخته حتى دخولها الجامعة، وذهب بول أيضًا إلى الجامعة، ومكث الأب وحده في ذلك المنزل، ويفسر بول ذلك بأنه قد يكون بسبب البند في اتفاقية الطلاق بأن أمه تمتلك حصة من البيت، وستحصل على المبلغ عندما يبيعه والده، لذلك مانع والده البيع، أو ربما بسبب رفض أبيه لاعتقاد الناس بأن حياته تغيَّرت بعد الانفصال، أو ببساطة بسبب كسله، فقرَّر العيش وحيدًا في بيت كان بإمكانه أن يحتوي على ستة أفراد أو سبعة.
وكان ذلك البيت أيضًا مثيرًا للإعجاب، يدل على ثراء صاحبه، يقع في أفضل جوار في البلدة، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم يكن مسليًا للحياة، ولم يقم والده بتغيير أي شيء في المنزل في أثناء سنوات وحدته، ولم يضف أي أثاث ولم يغير الطلاء، ولم يرمِ ملابس العائلة، ولم يكن ذلك صورة لتعلُّقه بالماضي، أو محاولة للحفاظ على المنزل كمتحف، بل ما كان يحكمه هو الإهمال، لا الذكريات، بالكاد كان يستخدم هذا المنزل كمكان للقيام بشيء آخر غير النوم.
وكان بول يشعر بأهمية هذا المنزل، أو بمعنى أدق، كان يهمه حالة الإهمال التي كان عليها المنزل؛ تلك الحالة كانت تجسيدًا لحالة والده الذهنية، حيث استمر أصدقاؤه في حثِّه على بيع المنزل، ولم ينجح ذلك، لكن قبل وفاته بعشرة أيام، أخبر سام ابنه بول بأنه باع المنزل، وعرض عليه أن يأتي إليه ليحصل على بعض أغراضه، فوافق على زيارته مع أسرته، لكن لم تتَح الفرصة للقائهم، وتعلَّم بول أن لا شيء أكثر رغبة من مواجهة أغراض رجل ميت، تفضح أغراضه ما لا رغبة لأحد في سماعه أو معرفته، إن هناك إحساسًا بالمرارة نحوها، ونوعًا من الرهبة!
الفكرة من كتاب اختراع العزلة
ما من أمر باقٍ في أمور الحياة سوى الموت؛ هذه هي الحقيقة التي لا يمكن تبسيطها، يستطيع الأشخاص أن يرضوا بالموت ويرضوا بوقوعه بعد طول مرض، وأحيانًا يرجعونه إلى القدر في الحوادث العرضية، لكن أن يموت رجل دون سبب واضح، أن يموت لأنه رجل وحسب! فهذا ما يقرب الأشخاص من الحد الخفيِّ بين الحياة والموت!
يعدُّ هذا الكتاب مذكِّرات عن والد الكاتب بول أوستر الذي تُوفِّي على نحو غير متوقَّع.
مؤلف كتاب اختراع العزلة
بول أوستر Paul Auster: كاتب ومخرج أمريكي، ولد في 3 فبراير عام 1947، كان عضو الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وتعد كتاباته خليطًا بين العبثية والوجودية وأدب الجريمة، والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية، وقد ترجمت كتبه لأكثر من أربعين لغة.
وأبرز أعماله:
قصر القمر.
كتاب الأوهام.
ثلاثية نيويورك.
موسيقى الصدفة.
حماقات بروكلين.