دور العقل في مشكلة المعرفة
دور العقل في مشكلة المعرفة
إن الإيمان بأن المعيار الحاسم لوجود الأشياء هو إدراكها لا البرهنة عليها كان ولا يزال متأصلًا في نفوس كثير من الناس، إلا أن الفلسفة المثالية تعكس هذا الاتجاه، فهي تحاول إثبات وجود العالم الخارجي، وهذا لا يمثل مشكلة أصلًا لدى الموقف الطبيعي، فهو يقدم الإدراك على الإثبات العقلي ويطرح الثاني دون تردُّد.
إننا نجد فيلسوفًا كديفيد هيوم يرى أن الإيمان بوجود الأشياء وجودًا مستقلًّا عن الذهن هو إيمان لا يقوم على أساس فلسفي وغير مرتكز على العقل مطلقًا، ويحدِّد “هيوم” لنفسه مهمة تحليل هذا الإيمان من الناحية الفلسفية، وإثبات مدى الخطأ العقلي فيه، مدركًا أن فكرة وجود الأشياء وجودًا متميزًا مستمرًّا هي فكرة بعيدة تمامًا عن العقل، لكنه يصرُّ على اختبار هذه الفكرة في ضوء العقل ليثبت أوجه الخطأ فيها.
ويرى الكاتب أن “هيوم” وأمثاله من الفلاسفة المثاليين حينما يبحثون فلسفيًّا في الوجود الخارجي فإنهم يبحثون عن أسباب لظاهرة لا تحتاج إلى أسباب لأنها قائمة قبل كل تبرير، وهم وإن كانوا يبحثون عن تبريرات فلسفية وعقلانية للعالم الخارجي إلا أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا وَفق نظراتهم الفلسفية للعالم، ولا يسعهم في حياتهم العادية إلا العيش كأي إنسان عادي، فالإفراط في البرهنة لا يصلح لكل شيء، إذ إن هناك أمورًا لا تصلح فيها المعرفة البرهانية، بل ربما يستحيل إيجاد برهان لها.
إن الاستدلال أو البرهان العقلي لا يعدو أن يكون مجموعة من الأفكار، والأفكار وحدها لا تستطيع ان تنفي وجود شيء ندركه بالفعل لأن هذا خارج عن نطاق قدرتها.
الفكرة من كتاب نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
تشكِّل دراسة الفلسفة بوجه عام ودراسة نظرية المعرفة كأحد فروع الفلسفة أمرًا غاية في الأهمية، فلن نكون مبالغين إذا قلنا إنَّ نظرية المعرفة هي أهم فروع الفلسفة على الإطلاق قديمًا وحديثًا، فبها تتكوَّن تصوُّرات الإنسان عن الكون والحياة والوجود، ويراد بها الفرع الذي يبحث في طبيعة المعرفة ومصادرها وإمكاناتها.
وفي هذا الكتاب يستعرض المؤلف هذه النظرية علميًّا وفلسفيًّا وموقف الإنسان الطبيعي العادي من ذلك.
مؤلف كتاب نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
فؤاد حسن زكريا: أستاذ مصري متخصص في الفلسفة، حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1996م، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، عام 1999م، وولد سنة 1927، وتوفي سنة 2010.
له مؤلفات وترجمات كثيرة، منها: “دراسة لجمهورية أفلاطون”، و”نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة”، وترجمة كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، وترجمة كتاب “نشأة الفلسفة العلمية” لرايشينباخ.