المنظور القرآني للعلم
المنظور القرآني للعلم
إن موقف القرآن الكريم من العلم ثابت من حيث الحثِّ عليه، ومجمل الآيات يؤكد هذا المعنى، لكن مجرد الانطلاق من هذه المقولة لقصر المنظور القرآني للعلم في الحضِّ عليه دون التطرُّق إلى تفاصيل أخرى تتعلَّق بمنظوره للعلم، من حيث أهدافه ومصادره ومناهجه وقوانينه، يُعد إخلالًا واضحًا في طبيعة هذا الكتاب، فالقرآن الكريم يُحدِّد فلسفة العلم وغاياته، كما يتناول منهج الكشف عن الحقائق العلمية المُتعدِّدة، كما يعرض لمجموعة من السنن والقوانين في مجالات العلوم المُختلفة، فهو يوجِّه إلى الطريقة المُثلى التي يمكن أن يدخل الإنسان من خلالها إلى فك طلاسم الكون المُعقَّد، كما يهديه إلى السبيل الأقوم للاستفادة من هذه الأشياء والموجودات حوله بعد فكِّه شفرتها.
ولكن يسُدُّ الكاتب على منتقديه ومنتقدي القيمة المعرفية للقرآن الكريم ثغرة مهمة بتأكيده أن الإسلام ما جاء ليكون كتابًا علميًّا، فهو ليس كتاب جغرافيا، ولا تاريخ، وما جاء فيه من حقائق إنما يتماشى مع كونه كتاب هداية لكل البشر في شتى المجالات، وليس تغييرًا لصفته المُقدَّسة بوصفه كتابًا منزَّلًا من عند الله، إذ إن في ذلك تشديدًا على ضرورة التمييز بين النص القرآني المطلق وفهم الإنسان النسبي؛ فتفسير القوانين والسُّنن والحقائق الجغرافية والتاريخية والاجتماعية التي ترد فيه إنما يخضع بدرجة كبيرة إلى درجة فهم الإنسان البشري القاصر القابل للخطأ والصواب.
إن المنظور القرآني يهدف في النهاية إلى تأكيد جملة من المبادئ الموجَّهة لا إلى عملية المعرفة فقط، ولكن إلى مجمل الحياة البشرية، ودور الإنسان فيها وعلاقته بغيره؛ فهو يؤسِّس لدور الإنسان انطلاقًا من مبدأ استخلافه في الأرض وكونه مؤتمنًا عليها، ومبدأ التوازن بين الحاجات الروحية والمادية دون إخلال بإحداهما على حساب الأخرى، فالإسلام لا يدعو إلى الرهبنة كما لا يدعو إلى المادية البحتة سواء تمثَّلت في عبادة مبدأ اقتصادي أو غريزة شهوانية، وإنما جاء لينظِّم هذه الحاجات، كما يؤكِّد مبدأ التسخير؛ تسخير ما في الكون لخدمة الإنسان المُكرَّم ولتعمير ما فيه، كل ذلك لكي يتأكَّد الإنسان ويزداد إيمانه بحتمية ارتباط المخلوق بخالقه الواحد.
الفكرة من كتاب مدخل إلى إسلامية المعرفة
يناقش هذا الكتاب- صغير الحجم كبير الفائدة- مفهوم ومشروع إسلامية المعرفة لا من جانب خطواته وإجراءاته وتعريفاته، ولكن من جانب ضروراته وإمكاناته، فهو بمثابة صرخة للمثقفين والطلاب المسلمين من قراء العربية نحو التعرُّف على هذا المشروع لا بوصفه مجرد تيار علمي عليهم متابعة إنجازه، ولكن على أنه ضرورة حضارية وعلمية وثقافية وشرعية يفرضها الواقع والدين لانتشال المسلمين من وطأة واقعهم المتأخر فكريًّا وحضاريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا ومعرفيًّا إلى رحابة وفاعلية الإيمان في تغيير الفكر والواقع.
مؤلف كتاب مدخل إلى إسلامية المعرفة
عماد الدين خليل، مؤرِّخ إسلامي واسع الاهتمامات، وُلِدَ في العراق عام 1941، واشتغل في المجال الأكاديمي والعلمي بقدر ما انهمك في التأليف والبحث العلمي، فهو يُدرِّس منذ لحظة تعيينه مُعيدًا في كلية الآداب جامعة الموصل عام 1966 إلى وقتنا الراهن؛ حيث قام بالتدريس في العديد من جامعات العالم الإسلامي منها: كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة اليرموك بالأردن، وكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.
له العديد من المؤلفات في التاريخ ومناهجه، والأدب والمسرح والشعر والرواية، ومنها على سبيل المثال: “دراسة في السيرة”، و”التفسير الإسلامي للتاريخ”، و”نور الدين محمود: الرجل والتجربة”، و”في التاريخ الإسلامي: فصول في المنهج والتحليل المكتب الإسلامي”، و”ابن خلدون إسلاميًّا”، و”القرآن الكريم من منظور غربي”، و”المرأة والأسرة المسلمة من منظور غربي”، و”مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي”.