بناء الجيش الحديث
بناء الجيش الحديث
كان أول ما قام به محمد علي في رحلته لبناء دولة حديثة في مصر، هو بناء جيش قوي يستطيع من خلاله فرض سيطرته على الداخل وصد أي عدوان خارجي قد يهدِّد مشروعه الطموح، بل وتطوَّر هدف هذا الجيش ليخدم أطماع الباشا التوسُّعية، وهكذا واعتبارًا من عام 1822 وجد المصريون أنفسهم يؤخذون بعشرات الآلاف ويتحوَّلون لأول مرة في التاريخ إلى جنود.
وقد وجد ضباط الجيوش الفرنسية ومهندسوها المهزومون بعد نهاية الحروب النابليونية طريقهم إلى مصر، حيث عملوا في إنشاء النظام الجديد، وهكذا كان القصد تكوين جيش جديد شديد الانضباط، على ألا يكون كما في السابق من فطاطرية ومراكبية وقهوجية وبقالين، فلم يعد يجري النظر إلى الجيش بوصفه جهازًا ظرفيًّا يجري تجميعه لشن حملات موسمية، بل كان يتعيَّن أن يكون قوة منظَّمة مؤلَّفة من رجال مرغمين على العيش معًا بصورة دائمة كجماعة متميِّزة تتلقَّى التدريب بصورة مستمرة حتى في الوقت الذي لا تكون فيه حرب، وانتهى الأمر إلى صنع جيش جديد على شكل آلة مصطنعة قادرة على التدمير بسرعة وبقوة غير مسبوقة في ذلك الوقت.
الفكرة من كتاب استعمار مصر
يرى الكاتب أن الدولة الحديثة التي نشأت في مصر على يد محمد علي باشا -وبمعاونة أوروبية (إنجليزية وفرنسية)- إنما نشأت على شكل سجن بانوبتيكوني بالأساس، وسجن البانوبتيكون هذا هو نموذج رسمه الفيلسوف القانوني الإنجليزي جيرمي بنتام؛ وهو عبارة عن “زنازين ذات شبابيك واسعة على شكل حلقة دائرية يتوسَّطها برج مراقبة” تتيح هذه الزنازين للحارس القابع في برج المراقبة أن يرى النزلاء، ولا يمكن للسجين أن يرى الحارس، ومن ثم ومع مرور الوقت يستبطن السجين نظرة الحارس ويشعر دائمًا أنه مراقب، وأن ثمة من يترصَّده.
وعلى هذا يتفق ميتشل مع الفيلسوف الفرنسي فوكو في أن الدولة الحديثة قد بنيت على شكل سجن بانوبتيكوني ضخم، بحيث يصبح الشعب سجين الدولة، والدولة هي الحارس القابع في البرج، ويستلزم بناء هذا السجن عملية تنظيم وتنشئة وتربية اجتماعية واسعة النطاق؛ تعمد إلى تغيير سلوك الشعب ونمط حياته بما يتفق وبناء الدولة الحديثة، وهكذا يتناول هذا الكتاب عملية الهندسة الاجتماعية التي صاحبت بناء الدولة الحديثة التي فتحت الطريق أمام الاستعمار الإنجليزي؛ فإن هذه العملية قد تمت أساسًا بأعين وأيدٍ أوروبية ومباركة باشاوية.
مؤلف كتاب استعمار مصر
تيموثى ميتشل Timothy Mitchell: عالم سياسة بريطاني، وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة نيويورك.
له مؤلفات عديدة منها: “الديمقراطية والدولة في العالم العربي”، و”دراستان حول التراث والحداثة”، و”ديمقراطية الكربون: السلطة السياسية في عصر النفط”.