ما بالُ أقوام!
ما بالُ أقوام!
في قصَّة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادته ﷺ فلما أُخبروا أشفقوا على أنفسهم، وقالوا: أين نحن من النبي ﷺ وقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر! قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبدًا ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله ﷺ إليهم، فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
نلاحظ في تلك القصَّة بعض الأساليب التي استعملها النبي ﷺ لتصحيح خطأ هؤلاء الثلاثة، ومنها أنه ﷺ قام بتصحيح التصوُّر الذي تسبَّب في حصول الخطأ لدى هؤلاء الرجال، فالأخطاء عمومًا تنشأ من خلل التصوُّرات، فهم اعتقدوا أن تلك الصور من الرهبانية والزيادة على عبادة النبي ﷺ فيها النجاة، كما أن خلل التصوُّر قد يكون مُتعلِّقًا بموازين تقويم الأشخاص والنظرة إليهم، وبهذا لا يكون الحكم مُقتصرًا على النفس، بل ينتقل إلى الحكم على الآخرين.
كما أنه ﷺ حين وعظهم في أنفسهم وعظهم بينه وبينهم، لكن حين أراد أن يُعلِّم الناس عمَّم وأبهم ولم يُخصِّص وذكر “ما بال أقوام..”، وفي هذا رحمة ورفق بهم، ومن هذا الحديث نستطيع أن نستنتج أنه لا بأس بأن يتحدَّث المرء عن عمله إن رأى في إخباره منفعة للآخرين وأمن من الرياء، وفيه أن الرسول ﷺ سارع إلى تصحيح الخطأ ولم يُهمله، وذلك لأن التأجيل أو عدم المبادرة للتصحيح فيه من فوات الفرص وضعف الأثر.
ومنه أيضًا يتضح هدوء النبي ﷺ في تعامله مع المُخطئين، وخصوصًا عندما يؤدِّي الاشتداد في نهيه إلى توسيع نطاق المفسدة، وهذه السمة تظهر جليًّا في الكثير من المواقف غير ما ذُكر، مثل موقف الأعرابي الذي بال في المسجد فتركه حتى انتهى ثم دعاه ونصحه وأمر الصحابة بسكب الماء لتطهير المسجد.
الفكرة من كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس
لم تكن السيرة النبويَّة يومًا قصصًا مُجرَّدة من الفوائد الجليلة والدروس العظيمة، بل الهدف الأوَّل لها هو أن يتأمَّل المرء في سيرة نبيِّه مُحمد ﷺ ليقتدي بهديه ومنهجه، ففي هذا الكتاب يُقدِّم لنا الشيخ المنهج النبوي في التعامل مع الأخطاء البشريَّة، فمنهجه ﷺ هو الأكمل والأحسن، وذلك لأنه مؤيَّد من ربِّه في أفعاله وأقواله، على عكس المناهج الأرضية التي يعترضها الخطأ والانحراف، كما أن التوجيه والتعليم والتقويم هو أجلُّ هديَّة يُقدِّمها المرء لغيره، وبناء على ذلك فمن الضروري الحرص على اختيار أفضل منهجية ووسيلة يستطيع المرء بها توجيه غيره.
مؤلف كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس
محمد صالح المنجد، داعية وعالم إسلامي سوري، ولد في 13 يونيو 1961م، نشأ في الرياض وتعلم في المملكة العربية السعودية، حصل على البكالوريوس من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ثم سلك بعدها طريق الدعوة إلى الله، وذلك بتوجيه من الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله)، فبرز في المجال الدعوي وألقى العديد من المحاضرات والدروس، كما أنه من أوائل من استخدم الإنترنت في الدعوة إلى منهجه، وذلك بتأسيسه الموقع الإسلامي “سؤال وجواب”.
له العديد من المؤلفات، منها: “تقرأ كتابًا”، و”33 سببًا للخشوع في الصلاة”، و”كيف عاملهم؟”، وسلسلة “أعمال القلوب” وتحتوي عشرة كتيبات.