تأثير الغرب والصحافة
تأثير الغرب والصحافة
لقد عرفت الأمة العربية مع قيام دولتها الدعوة السياسية – أو فن النشر-، وذلك منذ عهد الدولة الأموية، ويوضح العقاد أن “الدعاة العباسيين بلغوا بالدعوة مبلغ الفن المحكم الذي يُحاط بجلائله ودقائقه ومبادئه ومراميه، ووضعوا فيه القواعد لاختيار أشخاص الدعاة، وعلاقة بعضهم ببعض في درجات الرئاسة أو درجات الزمالة، ورتبوا الدعاية وموضوعاتها، وما يذاع منها وما يُضنُّ به على غير الخاصة والصفوة المختارة”، وتبعهم بعد ذلك الفاطميون.
وفي العصر الحديث لما ظهرت الصحافة عُرِفت الحركات السياسية ودعواتهم، كما عُرف الجمهور بمسمى “الرأي العام”، وانتقلت الصحافة من أوروبا إلى الشرق العربي بخيرها وشرها، وهي التي بدورها تكون أحيانًا صحافة غير ذات جدوى إنما جاءت للتسلية والإلهاء، وهذا لا يمنع وجود الصحافة التي لها الرأي الصائب، وهذا أمر يعانيه كلا الجانبين.
ويُعد التشبُّه بالأمم الغالبة في عاداتها ومظاهر معيشتها هو عادة في طبائع الناس على مر الزمان، وها هم الشرقيون قد تشبَّهوا بالأوروبيين في ملبسهم ومأكلهم وعاداتهم، وكان من تلك العادات ما هو خير كالرياضة والنزهة وما هو شر كالمراقصة والاختلاط المُبالغ فيه، وقد تخلَّف الشرق حتى أصبح كالمريض الذي يعلم سبب داءه وعلاجه لكنه يأبى أن يُعالج نفسه، وقد نسوا دينهم وأوامره في شتى نواحي الحياة، فجهلوا بالعلوم التي جدَّت وظلوا متمسكين بالشعوذة والعادات التي ليست من الإسلام في شيء.
وفي الوقت الذي انشغل فيه الغرب باكتشافاتهم وتقدُّمهم الصناعي والحضاري، غرق الشرق في جدالاته وخلافاته، ولم يمنع هذا بعض المحاولات للإصلاح والتجديد ومجاراة العصر كدعوات الإمام محمد عبده في مصر، إذًا ليست المشكلة بين الإسلام والحضارة العلمية كما يروِّج بعض الناس الذين يقومون بالتقليد الأعمى، ويظنون أن الإسلام والحضارة العلمية متضادان!
الفكرة من كتاب أثر العرب في الحضارة الأوروبية
نظن نحنُ أمة الشرق الآن أننا أصبحنا في القاع، وإن تأكَّدت ظنوننا فإننا رغم ذلك لا ننظر إلى الحلول بقدرِ ما نتجادل في مشكلاتنا، والأعجب من ذلك أن الكثير منّا وصل به الحال إلى اتهام ما كان سببًا يومًا ما في انتشالنا من القاع بأنه هو سبب ما نحنُ فيه الآن.
إن الأمة التي تعلمُ ماضيها ستعرف كيف تُصلح حاضرها مهما ساء وضعه، ووجب علينا أن نعرف من نحنُ حقًّا وكيف أضاف أجدادُنا بصمةً في العلوم والفنون كانت هي حجر الأساس لكل ما وصل إليه العالم الآن.
مؤلف كتاب أثر العرب في الحضارة الأوروبية
عباس محمود العقاد (1989-1964م): أديبٌ ومُفكر وشاعر مصري، وعضو سابق في مجلس النواب ومجمع اللغة العربية، ألَّف أكثر من مائة كتاب في شتى المجالات، أشهرها سلسلة العبقريات، والفلسفة القرآنية، وحياة قلم، ويُعد من أهم كتَّاب القرن العشرين في مصر.