بديهيات
بديهيات
الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تجاوز الأشياء والنظر إلى ما ورائها، فلا يكتفي بما هو كائن ولا يرضى بسطح الأشياء، بل يتدبَّر ويتأمَّل ويبحث عن العلل الأولى للظواهر والأشياء، ولما كان هذا الأمر من طبيعة الإنسان وفطرته ومن ضمن بنيته النفسية والعقلية، كان من البداهة أن يتجاوز وجوده ولا يكتفي بالسؤال عن كيفية وجوده فقط وإنما يبحث عن العلة والغاية من وجوده، وبالسؤال عن الغاية من وجودنا فنحن نقرِّر إذًا وجودنا، ونقرِّر أنَّه وجود حقيقي ووعي وقدرة على الإدراك والمعرفة.. أليس كذلك؟
بلى نفعل، فهذه من البديهيات أيضًا، وأعلم أن الكثيرين قد يستغربون الحديث عن البديهيات الآن، إذ إن هذه معارف إنسانية وحقائق يوجبها العقل الصحيح فلا يجوز عقلًا إنكارها ولا تحتاج إلى نظر أو استدلال أو برهان تجريبي لإثباتها، إذ إنها صحيحة لذاتها، فما الدافع من عرضها؟
الدافع أنه أحيانًا ينحرف العقل البشري ويصل إلى مرحلة من الشك والتكذيب إلى تكذيب المسلَّمات والبديهيات العقلية، فلا يعود يؤمن بها ويطلب عليها البرهان والدليل! كأن ينكر الشخص عدم إمكان اجتماع النقيضين معًا في المحل نفسه والزمان نفسه أو أن ينكر الشخص مبدأ السببية بإنكاره وجود إله خالق لهذا الكون. إذ إنه بذلك ينكر مسلَّمة من المسلَّمات المغروسة في العقل، ألا وهي أن لكل حادث محدثًا وأن لكل فعل فاعلًا، لذا كان لزامًا التوضيح للاتفاق على هذه الأرضية المشتركة، فمن دونها لا يمكن بناء أية معرفة إذا كانت هذه البديهيات غير مستقرة عند القارئ.
الفكرة من كتاب لماذا نحن هنا؟ تساؤلات الشباب حول الوجود والشر والعلم والتطور
“لماذا نحن هنا؟ سؤال صعب.. سؤال يراودني”.. لو كنت استمعت إلى هذه الأغنية في الصغر، ستتذكَّر معي كيف كان وقعها علينا لما كانت تُعرَض على “سبيستون Spacetoon” وتتردَّد كلماتها هذه على مسامعنا، وتتذكَّر كيف كنا نردِّدها وقتها بكثيرٍ من الفرح والسعادة منسجمين مع النغمات والألحان.
والآن لمَّا صار الزمان غير الزمان صار لهذه الكلمات وقعٌ مختلفٌ عند سماعها وعند ترديدها. ولما حدث ذلك كان لزامًا على أهل العلم والصلاح أن يقدِّموا الإجابات، وفي هذا الكتاب عمد المؤلف إلى جمع أغلب تساؤلات الشباب حيال الوجود والخلق والخالق والغاية من وجودنا والإجابة عنها بما يعين الشاب، ويزيل عنه الشك والارتياب ويثبته على دينه.
مؤلف كتاب لماذا نحن هنا؟ تساؤلات الشباب حول الوجود والشر والعلم والتطور
إسماعيل عرفة: كاتب، وطبيب صيدلي له اشتغال بالصحافة المعرفية والترجمة، وباحث مهتم بالظواهر الاجتماعية والقضايا الفكرية المعاصرة.
ومن مؤلفاته: الهشاشة النفسية: لماذا صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟ وترجم كتاب “صنع الدولة الحديثة” لبريان نيلسون والصادر عن دار عالم الأدب في عام 2019م.