تاريخ الأمم وطبائعها النفسية
تاريخ الأمم وطبائعها النفسية
يعدُّ التاريخ في نظر البعض حوادث عشوائية لا يربط بينها ثمة رابط، فهي تخبط خبط عشواء تبعًا للظروف والوقائع التي تحدث هكذا اتفاقًا، بيد أن الوقوف على طبائع الأمم ومزاجها النفسي يجعلنا نعيد النظر مرة أخرى إلى تلك الحوادث التاريخية لنرى أن هذا السطح العشوائي إنما يقبع في قراره نظامٌ محكمٌ يحوي سننًا لا تتبدَّل، وعلى ذلك فالعشوائية الخادعة إنما هي في حقيقة الأمر أصدق من النظام.
ذلك أن روح العرق البشري لأي أمة لا تبرح مكانها في أيٍّ من وقائع تاريخها هي اليد الخفية التي تحرك العرائس من خلف الكواليس، وما التاريخ إلا مسرح لها، وبيان ذلك أن الأحوال العرضية لمزاج الأمة النفسي إنما تحكم بعض الظواهر الوقتية في التاريخ ما تلبث أن تسكن وأن تعود أدراجها إلى الطبائع النفسية الأساسية الضاربة في أعماق التاريخ، وتحدد بدورها مصير الأمم وطبائعها النفسية التي ينبثق عنها مختلف نظمها وأخلاقها، فما كانت الثورات ولا القوانين في حد ذاتها لتعطي الأمة ما لا تملكه أو أن تنتزع منها ما تحوزه.
فالأمم إنما تقدر على أن تغير من شكلها ولكنها تعجز عن تغيير أساسها، فهي قد تغيِّر نظمها ودساتيرها، أما طبائعها النفسية فلا تستطيع إلى ذلك سبيلًا إلا رويدًا رويدًا وعلى مدى قرون طويلة، ولذلك فأي نظام يكون عاطلًا عن مسايرة هذا الأساس النفسي محكوم عليه بالزوال، ومن هنا تتشكَّل أخلاق الأمم، فالتاريخ والأخلاق وغيرهما من مظاهر الحضارة ما هي إلا مخرجات العِرق البشري، لذا كانت بعض الأمم ترنو إلى نقاء عرقها فتعمد إلى الانكفاء على نفسها وعدم مخالطتها لغيرها من الأجانب، فالعروق إنما تتحلَّل وتندثر عبر التوالد الناتج عن مخالطتها غيرها.
الفكرة من كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
إن الذي يستطيع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية فقد فُتح له باب سر الوجود وأصبحت مصائر الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك القوى النفسية من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام.
يسلك الكاتب مسلكًا يرتكز على الملاحظة العلمية، في دراسة التاريخ لاشتقاق أحوال صعود الأمم وهبوطها وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى نزعاتها النفسية التي تحدد قالبها الفكري والشاعري ومن ثم مصيرها.
مؤلف كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة والثقافة الشعبية ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
روح الجماعات.
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
روح الثورات والثورة الفرنسية.