كيف تتشكَّل الحضارات؟
كيف تتشكَّل الحضارات؟
يتطلَّب الأمر قرونًا عدة لبناء العرق البشري حتى إذا ما ترسَّخ كان كالصخرة التي تصمد في وجه أمواج الزمان المتتالية، من هنا تكوَّن ما يسمى بالعروق التاريخية، وهي التي نشأت نتيجة انصهار عوامل الهجرة والفتوح في بوتقة البيئة والمصالح المشتركة عبر قرون عديدة أدت إلى ترسيخها لدى الأمم المتمدنة وطبقات العروق العليا.
وتكمن أكثر أدوار نشأة الحضارات حرجًا في الصراع الذي ينشأ نتيجة الامتزاج بين عِرقين ليتولد عنهما عرق ثالث جديد، فعملية التوالد تسهم في انحلال الروح العرقية القديمة كشرط أساسي لتكوِّن عرقًا جديدًا، وتبقى تلك المنازعات قائمة حتى تستقر الأخلاق النفسية الجديدة، ولذا لا تجد في التاريخ قيام أمة إلا على أنقاض أخرى، وفي تلك الأثناء تؤدي البيئة دورًا فعالًا في رسم لوحة هذا الكائن النفسي الجديد المتولِّد لتطبع بدورها أنماطًا تترسخ مع مرور الوقت لتشكِّل بذلك معالم تلك الحضارة الجديدة.
فإذا ما تكوَّنت تلك الروح الذهنية وترسَّخت تشكَّلت على أثرها عناصرها الحضارية من الفنون والآداب واللغات والنظم والأفكار والمشاعر والأخلاق، وكلما ارتقت تلك الروح انعكس هذا الرقي على عناصرها الحضارية، وكلما لمسنا هذا التفاوت الكبير بين أمة وأخرى كان من المتعذر أن نجد عنصرًا واحدًا يصلح أن يكون مقياسًا عامًّا لتقييم مختلف الحضارات، بيد أن التاريخ لا يكترث لكل تلك المقدمات، فهو لا يخر راكعًا إلا أمام القوة العسكرية فقط، ذلك أن الأمم التي يعتورها الضعف تكون مهددة بأفول نجمها والانزلاق إلى غياهب التاريخ السحيقة، ومن الملاحظ أن طبائع الأمم تتكون على تصورها لعناصرها الحضارية، فأمور كاللغة والفنون وحتى الديانات والعقائد يتم تطويعها وفقًا للمزاج النفسي واحتياجات كل عرق بشري على حدة، ولذلك تتعدَّد اللغات والديانات في الإمبراطوريات الكبرى لاشتمالها على أعراق مختلفة.
الفكرة من كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
إن الذي يستطيع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية فقد فُتح له باب سر الوجود وأصبحت مصائر الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك القوى النفسية من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام.
يسلك الكاتب مسلكًا يرتكز على الملاحظة العلمية، في دراسة التاريخ لاشتقاق أحوال صعود الأمم وهبوطها وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى نزعاتها النفسية التي تحدد قالبها الفكري والشاعري ومن ثم مصيرها.
مؤلف كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة والثقافة الشعبية ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
روح الجماعات.
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
روح الثورات والثورة الفرنسية.