الأزمة الآسيوية
الأزمة الآسيوية
لم تقتصر الأمراض المالية فقط على تشوُّه هيكل الأرباح والدخول وكذلك اللهاث المحموم وراء الأرباح، بل برز ثمة لاعب جديد في أسواق المال على وجه الخصوص ألا وهو التقليد غير الرشيد للمستثمرين الكبار وسياسة السير وراء القطيع في قرارات البيع والشراء للأسهم داخل البورصات، وبخاصةٍ مع تنافس المصارف وصناديق استثمار المعاشات وشركات التأمين للاستحواذ على جانب أكبر من السوق المالية، وهي ظاهرة تضاعف من الأثر السلبي لأي قرارات اقتصادية غير رشيدة تستهدف فقط الانسياق المخادع وراء مؤشرات الأسهم وزيادة متوسطات الأرباح لمحافظ بعض الأوراق المالية عن نظيرتها الأخرى، ونظرًا إلى خوف رؤساء الإدارات من معاقبة حملة الأسهم وطبقة الملاك لهم تصبح أية أهداف أخرى غير الربح مجرد أهداف ثانوية، وهنا تبرز ظاهرة تفضيل السياسات الاستثمارية قصيرة المدى كبديل عن الطويلة الأجل، مما يزيد من عدم استقرار الأسواق.
وكانت نتيجة كل المخاطر أن وقعت أزمة النمور الآسيوية في عام 1997 إذ بدأت بوادر الأزمة في تايلاند، حيث تعرَّضت العملة المحلية لهزَّات قوية أدت إلى اختلال عنيف في النظام المالي للبلاد ومع مستوى ديون خارجية مرتفع انهارت العملة المحلية، ودخلت البلاد نفق الإفلاس جرَّاء المضاربات الطاحنة التي أدت إلى استنزاف الاحتياطي النقدي للبلاد، وسرعان ما انتقلت تلك الأزمة إلى باقي مجموعة النمور الآسيوية الأخرى وعلى رأسهم إندونيسيا وكوريا الجنوبية، وكذلك سنغافورة وتايوان مما تسبَّب في وقف التمويل الأجنبي في تلك الفترة وشيوع حالة من عدم الثقة على مستوى المنطقة بأسرها، فأصيبت بعدة أمراض كان أبرزها ارتفاع أحجام الدين وعجز الموازنات وموازين المدفوعات، وكذلك هروب الاستثمارات الأجنبية واستنزاف الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية وتدهور أسعار الصرف، وأخذت الأمور نحو ثلاث سنوات تقريبًا حتى تبدأ تلك الاقتصادات في التعافي مرة أخرى.
الفكرة من كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
لم تسلم الرأسمالية منذ نشأتها على مدى تاريخها من النكبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ومما صعَّب الأمر بروز قضية العولمة التي ربطت اقتصادات العالم بعضها ببعض، فإذا سعلت دولة بالمشرق أصابت نظيرتها بالزكام في المغرب، وليس أدل على ذلك من الواقع المعاصر وجائحة كوفيد 19 التي ما لبثت أن ظهرت في الصين حتى أصابت العالم أجمع بالشلل.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، إذ يلقي الضوء على ظاهرة العولمة وما يرتبط بها من تحديات وأخطار مستترة قد تفضي على حسب رأي البعض إلى بدء العد التنازلي لانهيار الرأسمالية المعاصرة.
مؤلف كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
باتريك آرتو: أستاذ بكلية الهندسة، وأستاذ مشارك في جامعة باريس – بانتيون السوربون، ومدير البحوث الاقتصادية لمجموعة صندوق التوفير/الودائع، من مؤلفاته: نظرية النمو والتذبذبات، والأوضاع الشاذة في الأسواق المالية، والاقتصاد الجديد.
ماري بول فيرار: رئيسة تحرير مجلة أنجي ليزكو، من أعمالها: قصة أرباب العمل الكبار.