المسرح والارتقاء بالجماهير
المسرح والارتقاء بالجماهير
نشأ المسرح منذ بدايته في أقدم العصور في مصر الفرعونيَّة وفي بلاد الإغريق القديمة في خدمة الدين وطقوسه، وحتى خلال القرون الوسطى كان يعرض في ساحات الكنائس، ويُقبِل عليه المؤمنون بالدين، كما كان وسيلة لعرض الأساطير الدينية داخل المعابد؛ مثل أسطورة إيزيس وأوزوريس، فاكتسب المسرح بحكم هذه النشأة نظرة جديَّة، وارتبط بالديانات وأُعد حامل رسالة.
وكانت المسرحيات البدائية تُمثَّل أولًا بالريف في موسم جني العنب وعصره، ثم انتقل المسرح من الريف إلى الحضَر، حيث تطوَّر وألَّف فيه كبار الشعراء المسرحيات وكانت تُعقَد لها مسابقات سنوية تستمر
ثلاثة أيام، وكان الفائز في المسابقة يمنح غصنَ الزيتون، ويُنقَش اسمُه على لوحة الخالدين، ولم يكن دخول المسرح وقتها مجانًا فحسب، بل كانت الدولة تمنح كلَّ مواطنٍ مكافأةً كتعويضٍ جزئي عما يضيع عليه من كسب بسبب انقطاعه عن العمل لمشاهدة المسرح الذي يدوم اليوم كله، وكانت هذه المكافأة تسمى “بدل مسرح”.
ومع مرور الوقت أخذ المسرح في الانفصال عن الدين وأصبح فنًّا مستقلًّا يعالج مشكلات الحياة والمجتمع، وظل هكذا حتى حركة النهضة الحديثة، حيث أعيد نشر التراث القديم في العالم الأوروبي، واستطاع المسرح أن يُسهِم في تطوير الحياة وهكذا حتى القرن التاسع عشر، إلى أن ظهر في العالم العربي أول مرة في بيروت سنة 1848 على يد مارون نقاش، ومنها انتشر حتى مصر حيث ازدهر بفضل توافر واتساع الإمكانيات وكثرة الجمهور، وتعدَّدت الفرق المسرحية وألوان المسرحيات التي تعالج مشكلات المجتمع ومواضع آلام الشعب وآماله وأشواق روحه بأسلوبٍ واقعي جاد، وأصبح ينظر إلى دور المسرح كمعاهدَ لا للثقافة والفهم والتوجيه وحدها، بل للتعبئة الروحية أيضًا كما في مسرحيات الكفاح الشعبي.
وبني على هذا التغير الواسع أن أصبح المسرح يُدرس وأُنشئَت له معاهد وجمعيات ولجان ترعاه، حتى أصبح يقوم إلى جوار المدارس والمعاهد في تثقيف الشعب وتهذيب طبائعه، ورفع مستواه الخلقي والاجتماعي، فضلًا عن تطهير النفوس من بعض آفاتها عن طريق الوعي واللاوعي معًا، ثم تحبيب الحياة والعمل والنشاط إلى جميع المواطنين وغرس الثقة بالنفس وبالغير في نفوسهم.
الفكرة من كتاب الثقافة وأجهزتها
تنوَّعت وسائل الثقافة وأصبحت متاحة في المتناول، وبفضل التقدم العلمي تعدَّدت سُّبُلِ تحصيلِ الثقافةِ، وأصبحنا نملك عدة أجهزة جديدة للثقافة..
يوضح المؤلف في هذا الكتاب جدوى أجهزة الثقافة الخمسة في عصره، وهي: الكتاب المطبوع والصحف والمسرح والسينما والإذاعة، ويعرِّفنا بما تقدِّمه هذه الأجهزة المختلفة ووسيلة الاستفادة منها وكيفية استخدامها بطريقة نافعة تساعد على النهوض بفكر الإنسان وثقافته والمجتمع.
مؤلف كتاب الثقافة وأجهزتها
محمد مندور: أديبٌ وكاتب مصري وواحدٌ من أهمِّ النقَّادِ المُجدِّدينَ في الأدبِ العربي الحديث، حصلَ على ليسانس الآدابِ، ثم ليسانس الحقوقِ، وبعدَها سافرَ في بعثةٍ دراسيةٍ إلى فرنسا، وحصل هناك على ليسانس من السوربون في الآداب واللغات اليونانية القديمة واللاتينية والفرنسية والأدب المقارن، بالإضافة إلى الليسانس حصل من هناك على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، ثم الدكتوراه في الأدب العربي.
ترجَمَ العديد من الأعمال الغربية: منها رواياتِ «فلوبير» و«ألفريد دي موسيه»، و«تاريخ إعلان حقوق الإنسان»، وله العديد من المؤلفات في الأدب والنقد، ومن مؤلفاته: «نماذج بشرية» و«النقدُ المنهجيُّ عندَ العَرب» و«في النقدِ والأدب».