دور الإذاعة في نشر الثقافة
دور الإذاعة في نشر الثقافة
أصبحت الإذاعة من أقوى الأجهزة لنشر الثقافة والفن وتوجيه الشعوب، ومن المحتمل أن نجد قرية ليس بها مدرسة ولا مسرح أو سينما ولا تصل إليها الصحف والمجلات، لكن بلا شك لا تخلو من جهاز الراديو، الذي أصبح ينافس جميع أجهزة الثقافة الأخرى من كتب وصحف ومسرح وسينما منافسة قوية، ويزيد من أهمية الراديو وشدة الإقبال عليه أنه يعد أقل أجهزة الثقافة من ناحية الجهد المبذول في تحصيل الثقافة، إذا تمَّت مقارنته بباقي الأجهزة كالقراءة التي تتطلَّب مجهودًا عقليًّا وعصبيًّا وماديًّا لا يتطلَّبه الراديو.
كما أنه قد أصبح من أكثر أجهزة الثقافة انتشارًا وإقبالًا بفضل المواد الإذاعية الثقافية المتنوعة التي يقدمها بين مواد أدبية ودينية وإخبارية وغيرها، وهذه المواد يقدمها في صورة أحاديث أو محاضرات أو ندوات، ومن الضروري مراعاة تبسيط هذه المواد التي تقدم للجمهور لأن المستمع يريد السهولة والوضوح، والتشويق الذي يجذبه إلى متابعة الحديث واستيعابه مع سرعته لأنه لا يستطيع أن يوقف الحديث الإذاعي ليفهم أو يراجع ما سمعه مثلما يفعل مع كتاب أو يستمع إلى أستاذ في قاعة، وأما عن المواد الضرورية التي ينبغي أن يبثها الراديو فمن الأفضل أن يقتصر في نشر الثقافة على العلوم الإنسانية والدينية العامة التي قد أصبحت في عالمنا الحديث من وسائل الحياة، أما علوم التخصص فلا ينبغي أن يُقدَّم منها إلَّا ما تتطلَّبه ضرورات الحياة العاديَّة مثل ووسائل الوقاية وطرق التوجيه في محاربة الأمراض وعلاجها.
ومن المؤكَّد أن الراديو لا يستطيع أن يصل في تثقيف جماهير هذه الثقافة إلى الحد الأعلى مثلما تصل إليه القراءة الدقيقة المتأنِّية، أو الاستماع إلى أستاذ في قاعات الدرس، وغيرها من السُّبل التي تساعد على تعميق الفَهم والتأثُّر والإقناع، لكنه لا غنى عنه كجهاز من أجهزة الثقافة، حيث يمكن الاعتماد على الإذاعة إلى حدٍّ كبير في محاربة الأميَّة بين الشعوب العربيَّة، وبخاصةٍ إذا وُجِّهت الإذاعة توجيهًا سليمًا وفطِنت إلى الحاجات الثقافيَّة والعلميَّة لطبقات الشعب المختلفة، وأخذت تُفرِد لكلِّ طائفة ركنًا إذاعيًّا خاصًّا بها كركن العمال وركن الأطفال وركن المرأة، فضلًا عن المواد الثقافيَّة والفنيَّة العامة التي تصلح للجميع على اختلافهم.
الفكرة من كتاب الثقافة وأجهزتها
تنوَّعت وسائل الثقافة وأصبحت متاحة في المتناول، وبفضل التقدم العلمي تعدَّدت سُّبُلِ تحصيلِ الثقافةِ، وأصبحنا نملك عدة أجهزة جديدة للثقافة..
يوضح المؤلف في هذا الكتاب جدوى أجهزة الثقافة الخمسة في عصره، وهي: الكتاب المطبوع والصحف والمسرح والسينما والإذاعة، ويعرِّفنا بما تقدِّمه هذه الأجهزة المختلفة ووسيلة الاستفادة منها وكيفية استخدامها بطريقة نافعة تساعد على النهوض بفكر الإنسان وثقافته والمجتمع.
مؤلف كتاب الثقافة وأجهزتها
محمد مندور: أديبٌ وكاتب مصري وواحدٌ من أهمِّ النقَّادِ المُجدِّدينَ في الأدبِ العربي الحديث، حصلَ على ليسانس الآدابِ، ثم ليسانس الحقوقِ، وبعدَها سافرَ في بعثةٍ دراسيةٍ إلى فرنسا، وحصل هناك على ليسانس من السوربون في الآداب واللغات اليونانية القديمة واللاتينية والفرنسية والأدب المقارن، بالإضافة إلى الليسانس حصل من هناك على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، ثم الدكتوراه في الأدب العربي.
ترجَمَ العديد من الأعمال الغربية: منها رواياتِ «فلوبير» و«ألفريد دي موسيه»، و«تاريخ إعلان حقوق الإنسان»، وله العديد من المؤلفات في الأدب والنقد، ومن مؤلفاته: «نماذج بشرية» و«النقدُ المنهجيُّ عندَ العَرب» و«في النقدِ والأدب».