أثر الصحف والمجلات في نشر الثقافة
أثر الصحف والمجلات في نشر الثقافة
كانت الصحف في أوَّل ظهورها صحفًا إخبارية ينشُر فيها الحكام والأمراء ما يُصدرونه من قوانين وقرارات على الشعب، مثل صحيفة الوقائع الناطقة بلسان الحكومة، ثم أخذ مجالها يتسع ليشمل كل الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وكانت في أولها مرتفعة الثمن وقليلة الانتشار، حتى جاء صحفي فرنسي بفكرة نشر الإعلانات التجارية في الصحف، وكانت هذه الفكرة أكبر انقلاب حدث في تاريخ الصحافة، حيث جاء مكسب الإعلانات.
وتمكَّنت الصحف من تخفيض ثمن بيعها، لتصبح في المتناول ويزداد انتشارها ويتسع مجال نشاطها بفضل الإعلانات وما تأتَّى لها من كسبٍ وفيرٍ، حيث استطاعت أن تزيد من عدد صفحاتها، وأن تُنوِّع من أبوابها، وأن تُضيفَ إلى مهمَّتها الإخبارية القديمة عدَّة مهامَّ أخرى كالتثقيف والتسلية والتجارة ونشر الثقافة وتوجيه الرأي العام، ونقد الحكام وبخاصة بعد ظهور الثورات السياسية وقادتها ممن ينادون بمطالب الشعب ويكتبون في الصحف، وهنا دخلت الصحافة في منافسة قوية مع الكتاب كوسيلة للتثقيف العام بفضل سعة انتشارها ورخص ثمنها، وضخامة إمكانياتها حتى كادت تتغلَّب على الكتاب.
ولا شك أن الصحافة المصرية أدت دورًا كبيرًا في التاريخ الثوري بفضل تحوُّلها إلى صحافة رأي ووعي سياسي، ثم ثقافة إنسانية عامة؛ بفضل نجاحها الشعبي الواسع، ولا تزال من أقوى أجهزة الثقافة والتوجيه حتى أصبحت سلطة رابعة في الدولة، وأصبح لها ذلك النفوذ القوي في السيطرة على الرأي العام وتوجيهه.
أما المجلة فهي وسط؛ تجمع بين الكتاب والصحف وهي كما يدل معنى لفظها تسعى إلى توضيح الحقائق والأخبار والمعارف، وتظهر المجلة مرةً كلَّ أسبوع أو كل أسبوعين، أو مرة واحدة شهريًّا، أما مادتها فتكون أرفع وأكبر مستوًى وأكثر تنوعًا مما يُنشَر في الصحف اليومية، كما أنَّ المجلة يمكن الاحتفاظ بها والعودة إليها، وهي بحكم مادَّتها لا تفنى ليَومِها كما تفنى الصحف، بل إنَّ الكثير من موادِّها لا يستحيل بمضيِّ الزمن إلى وثائق تاريخية أو مصدر للتاريخ كما يحدث فيما يخص الصحف اليومية، بل تظل تلك المواد حيَّة دائمة التأثير والإفادة كالمادة التي تتضمَّنها الكتب تمامًا.
الفكرة من كتاب الثقافة وأجهزتها
تنوَّعت وسائل الثقافة وأصبحت متاحة في المتناول، وبفضل التقدم العلمي تعدَّدت سُّبُلِ تحصيلِ الثقافةِ، وأصبحنا نملك عدة أجهزة جديدة للثقافة..
يوضح المؤلف في هذا الكتاب جدوى أجهزة الثقافة الخمسة في عصره، وهي: الكتاب المطبوع والصحف والمسرح والسينما والإذاعة، ويعرِّفنا بما تقدِّمه هذه الأجهزة المختلفة ووسيلة الاستفادة منها وكيفية استخدامها بطريقة نافعة تساعد على النهوض بفكر الإنسان وثقافته والمجتمع.
مؤلف كتاب الثقافة وأجهزتها
محمد مندور: أديبٌ وكاتب مصري وواحدٌ من أهمِّ النقَّادِ المُجدِّدينَ في الأدبِ العربي الحديث، حصلَ على ليسانس الآدابِ، ثم ليسانس الحقوقِ، وبعدَها سافرَ في بعثةٍ دراسيةٍ إلى فرنسا، وحصل هناك على ليسانس من السوربون في الآداب واللغات اليونانية القديمة واللاتينية والفرنسية والأدب المقارن، بالإضافة إلى الليسانس حصل من هناك على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، ثم الدكتوراه في الأدب العربي.
ترجَمَ العديد من الأعمال الغربية: منها رواياتِ «فلوبير» و«ألفريد دي موسيه»، و«تاريخ إعلان حقوق الإنسان»، وله العديد من المؤلفات في الأدب والنقد، ومن مؤلفاته: «نماذج بشرية» و«النقدُ المنهجيُّ عندَ العَرب» و«في النقدِ والأدب».