ارتقاء المعارف البحثية لدراسات المستقبليات
ارتقاء المعارف البحثية لدراسات المستقبليات
لا يمكن فصل تطوُّر حقل الدراسات المستقبلية عن تاريخ الأفكار والفلسفات في النصف الثاني من القرن العشرين، فانعكس ازدهار المدرسة الوضعية على استخدام أساليب إحصائية- على سبيل المثال- لاستشراف المستقبل، ولما بدأت الوضعية في التراجع مقابل المناهج ما بعد الوضعية انعكس ذلك أيضًا على مناهج الاستشراف.
وتوضح جنيفر عددًا من المقاربات المختلفة لدراسات المستقبل، فتشير إلى ظهور ما يُعرَف بـ”المستقبليات النقدية” التي تأثَّرت بمقاربة النظرية النقدية الأوروبية في علم الاجتماع، والتي ترفض هيمنة الأوضاع القائمة على تصوُّر المستقبل، ومن ثَم عما يجب فعله في الحاضر، لتشكيل هذا المستقبل المتصوَّر، وتتبنَّى المستقبليات النقدية قضايا متعدِّدة وترتبط بحقول معرفية متباينة وتتشابك مع أيديولوجيات مختلفة.
هناك أيضًا المستقبليات الثقافية، مقاربة ترفض النموذج الثقافي الغربي المهيمن، والذي يُراد له أن يُعمَّم على سائر بقاع الأرض وإن اختلفت الدول وتباينت الحضارات، وقد أسهم في تلك المقاربة علماء مستقبليات مسلمون مثل ضياء الدين سردار وسهيل عناية الله، وكلاهما باكستاني الأصل، وركَّزا على مستقبليات حضارية بديلة تُظهِر كيف يبدو المستقبل في عيون الثقافات غير الغربية كالإسلامية والصينية والهندية.
لكنْ؛ دعونا نتساءل: هل مشاركة أصحاب السلطة وصنَّاع القرار في كيفية بناء المستقبل نوع من التمكين لهم وفرض رؤيتهم على المستقبل؟! من أجل هذا ظهرت مقاربة سُمِّيت بـ”المستقبليات التشاركية” سواء كانت المشاركة هنا على الصعيد المحلي أم متعلِّقة بتحدِّيات عالمية، وأيضًا المستقبليات المتكاملة التي تتسق بالعمق والشمول لكونها تدمج منظورات متعدِّدة، فتتداخل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والنفسية والأنثروبولوجية في عمليات استشراف المستقبل.
الفكرة من كتاب المستقبل: مقدِّمة وجيزة
تتعالى الأصوات بين الحين والآخر محذِّرة من الأخطار التي يحملها المستقبل كأزمات المناخ وتناقص مصادر الطاقة، إلا أن ثمة رأيًا آخر يرى أن المستقبل المظلم ليس حتميًّا، وأن الإنسان لديه قدرة على التدخُّل بطريقة إيجابية في الحاضر، مما يجعله يتلافى كوارث المستقبل!
يهدف هذا الكتاب إلى إبراز الأبعاد المختلفة لحقل الدراسات المستقبلية، الذي يعدُّ حقلًا أكاديميًّا عابرًا للتخصُّصات، فوعي الإنسان بأهمية استشراف ما سيحدث في المستقبل أدَّى إلى ظهور مقاربات متعدِّدة ومتنوِّعة يسهم فيها آلاف الأساتذة والباحثين والممارسين والطلاب من ثقافات شتى.
مؤلفة كتاب المستقبل: مقدِّمة وجيزة
جنيفر جيدلي: باحثة أسترالية في الدراسات المستقبلية وعلم النفس، وهي أستاذ مساعد في معهد المستقبليات المستدامة في سيدني، ورئيسة الاتحاد العالمي لدراسات المستقبليات.
صدر لها كتب عدة منها: “التعليم ما بعد الرسمي: فلسفة من أجل مستقبليات معقَّدة” و”سر نمو الأطفال المتفوقين”.