الخلافة والجهاد
الخلافة والجهاد
كان لعمر (رضي الله عنه) مهابة شديدة في نفوس أعدائه قبل أتباعه، فلما أشيع خبر موته تلاحقت الهجمات والفتن، وتمرَّدت قبائل الفرس والترك والروم، ووصلت أنباء تلك الهجمات إلى الخزر والأرمن والشعوب الآسيوية فسارع كثير منهم لنقض العهود، وزاد من صعوبة الأمر اتساع الرقعة وتباعد البلدان وكثرة الأجناس في صفوف المسلمين، وقد واجه عثمان (رضي الله عنه) كل ذلك بقوة وثبات وحنكة، وسرعان ما أخمدت تلك الثورات حتى لم تقُم للفرس والروم قائمة على بلاد الإسلام بعد وفاة عثمان وعلي وحتى معاوية إذ تعلموا وقتها أن المسلمين لا يضعف قوتهم موت الخلفاء وتبدُّل القادة.
ولم يكتفِ عثمان بإخماد الثورات، بل جاوز تلك البلاد لما بعدها حتى يمنع ارتداد الهاربين إليها، فوصلت الجيوش إلى حدود الهند والصين شرقًا، وإلى ما وراء بحر الخزر شمالًا، وإلى القسطنطينية والأندلس غربًا وإلى السودان وأطراف الحبشة جنوبًا.
وعرضت له غزوة قبرص ورودس وجزر بحر الروم فكانت معضلة شاقة أرجأها عمر من قبله، إذ لم يعرف العرب من قبل ركوب البحر فنهى عمر عن الغزو بحرًا حتى لا يهلك الرجال، وكان لعثمان اجتهاد آخر وإقدام في هذا الشأن بعد أن تغير الحال وبات من الضرورات، إذ أصبحت تهديدًا للدولة الإسلامية، وقد أمر عثمان بأن يكون ركوب البحر لمن يختار ذلك بإرادته دون جبر ولا قرعة، وهم إذ ركبوا البحر دخلوا تلك الجرز وعقدوا مع أهلها اتفاقيات ليمنعوا الغارات منهم ويسمحوا بدخول المسلمين إليها فأمَّنوا البحر وأمِنوه.
الفكرة من كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
إن تاريخ العقيدة هو تاريخ قيم ومبادئ وليس تاريخ أحداث، فالأحداث ربما نجد ما يماثلها كثيرًا على مدى التاريخ، أما المختلف فهو بواعث تلك الأحداث، واللافت في سيرة عثمان (رضي الله عنه) أمرين؛ الأول أنها كانت مرحلة تحوُّل ما بين الخلافة الراشدة والملكية، والثاني هو قتله (رضي الله عنه) بوحشية بيد مسلمة لا دخيلة على الإسلام.
والخلاف ليس هو المستغرَب، إذ إن دور العقيدة ليس أن تبطل خلافًا أو تكفَّ نزاعًا، وإنما هي تترفَّع بالناس عن النزاع في ما لا يستحق، وليست هناك صدمة إن نحن نظرنا إلى الأمر من منظور القيم وأيقنَّا أن الحوادث لا بدَّ أن تقع، فهناك نزاع على محاسبة الإمام نفسه ورعيته ومحاسبة الرعية لإمامهم بعد زمن كان فيه زعماء القبائل يطغون ويتجبَّرون ويشرعون لأهوائهم ولا يكون فيه عزة أحدهم إلا بإذلال غيره.. يأخذنا العقاد عبر رحلة في سيرة عثمان (رضي الله عنه) الذي يصفه بأنه: “ذو النورين: نور اليقين ونور الأريحية والخلق الأمين”.
مؤلف كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
عبَّاس محمود العقَّاد: أديب وشاعر وناقد أدبي، كما أنَّهُ فيلسوف وسياسي وصحفي، ومُؤرِّخ، ولد في مصر عام 1889م وتوفي عام 1964م، حاصل على الشهادة الابتدائية فقط، أحد مؤسسي مدرسة الديوان التي عُنيت بالنَّقد في العصر الحديث، كما أنشأ صالونًا أدبيًّا في بيته، كتب أكثر من ثمانين كتابًا بين الكتب الدينية الفكرية وكتب السير والكتب الأدبية والدواوين الشعرية، ومن أبرز مؤلفاته: سلسلة العبقريات، التفكير فريضة إسلامية، المرأة في القرآن، أفيون الشعوب، وديوان شعر “عابر سبيل”.