تتداعى عليكم الأُمم
تتداعى عليكم الأُمم
إن للغزو الثقافي أهدافًا وغايات، تكمن جميعها في إصابة العلوم الدينية في مقاتلها بعد إسقاطها من مكانتها التقليدية، ونظرًا لارتباط علوم الدين بعلوم اللغة وفنون الأدب فيجب أن يُقضى عليها أيضًا. ولما كان الإسلام عقيدة وشريعة وتربية وتقاليد، وكانت الثقافة المصاحبة لهذا كله متشعبة متكاثرة؛ فإن الاستعمار قدر لتدمير هذه الثقافة أمدًا طويلًا، ونتيجة ذلك أُنشِئ جيلٌ زاهد في الانتماء لدينه، غير متحمس له ولا حريص عليه، يهاب الأديان الأخرى ولا يهاب عقيدته، ويفضل الألسنة الأخرى ويستهين بلغته ويكرم زعماء العالم قديمًا وحديثًا، أما رجال الإسلام فليسوا أهلًا لاكتراثه!
ولكي يضمن الاستعمار القضاء على معالم الإسلام ومحو شخصيته المادية والمعنوية جعل القومية مكان العقيدة وأقام بينهما فواصل ثابتة، فالجنسية أولًا والدين إذا كان لا بدَّ منه ثانيًا، ولهذا فهو مُستهدف من قِبل عدَّة تيارات، وهي اليهود والصليبيون والاشتراكيون، إضافةً إلى العرب المتأثرين بالغزو الثقافي.
ويذكر الغزالي أن تعصب اليهود لدينهم لا شكَّ فيه وقد عقدوا صلحًا بين جنسهم وإيمانهم، فهم شعب الله المختار، وظيفتهم أن يسودوا العالم ويطووه تحت علم إسرائيل، أما حقائق الوحي الأعلى والتمهيد على ظهر الأرض للعودة إلى السماء فقد نفضوا أيديهم عن هذا كله، ونجاح اليهود في ميادين العلم والمال كان لا بدَّ أن يرجح كفتهم في نزاعهم مع العرب.
أما عن النصارى فيشير إلى أن التاريخ الكنسي مشحون بالدماء، وقد تضافرت الشعوب الثائرة والحكومات المدنية ضد الكنيسة، ولكن عن طريق التطوع والإخلاص بقيت الكنائس تؤدي شعائرها الموروثة، وترسل بعوثها إلى أنحاء الأرض، وساندت بقوة الحكومات الاستعمارية وهي تطارد فلول المسلمين، وفضلًا عن امتلاكها ثروات ضخمة لأعمال التنصير.
الفكرة من كتاب الغزو الثقافي يمتد في فراغنا
“إن مستقبلي الغزو الثقافي يشعرون بالنقص، ويحسبون التغلب عليه يكون بتقليد الحضارة الحديثة في مثلها وتقاليدها وأحوالها كلها”.. يعرض الكتاب الحالة الفكرية والتشوهات في تصورات الحياة التي أصابت المسلمين فخلقت حالة من الفراغ، فصار المسلمون هدفًا سهلًا للغزو الثقافي من قِبل الشيوعيين والصليبيين.
كما يوضِّح الطُرق التي يستعملها هذا الغزو في القضاء على روح الإسلام، والخطوات التي يجب أن يتخذها المسلمون للقيام مرة أُخرى بالإسلام على صورته الحقيقية.
مؤلف كتاب الغزو الثقافي يمتد في فراغنا
محمد الغزالي: عالم ومفكر إسلامي مصري. وُلد في سبتمبر عام 1917، ويعدُّ أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرف عنه تجديده في الفكر الإسلامي، ونال العديد من الجوائز والتكريم، فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية.
من مؤلفاته:
– جدد حياتك.
– عقيدة المسلم.
– تأملات في الدين والحياة.
– فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء.
وغيرها من الكُتب.
توفي في مارس عام 1996م في السعودية، ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة.