التحدِّي السياسي ونشر المسؤولية
التحدِّي السياسي ونشر المسؤولية
إن المهام الأولية المطلوبة من الشعب في أعمال النضال يجب أن تكون محدودة المخاطر لا سيما إذا كان الشعور بالخوف والعجز هو الشعور المسيطر على الشعب من بطش النظام الدكتاتوري، ففي مثل هذه الحالات لا يصح البدء بالمظاهرات أو الاعتصامات ويُفضَّل تجنُّب الاحتكاك المباشر مع أمن النظام ومن الممكن الاكتفاء ببعض وسائل التعبير الخفيفة غير اللافتة كليًّا، لكنها تُنفَّذ على نطاق واسع مثل وضع الزهور في أماكن ذات أهمية رمزية، أو التوقف عن جميع نشاطات العمل لمدة خمس دقائق أو الصمت العام لعدة دقائق، وفي حالات أخرى قد يلجأ البعض إلى إضراب عن الطعام أو مقاطعة الحصص من طلبة المدارس والجامعات.
وكلما زاد الاتجاه نحو أعمال نضالية واضحة ستزيد شدة مواجهة النظام القمعية؛ تلك الأساليب النضالية الخفيفة يُطلق عليها مبدأ “التحدي الرمزي”، أما عن مبدأ “نشر المسؤولية” فمعناه أن تقوم القيادات النشطة بتوزيع الأدوار والدعوة العامة لجميع القطاعات بالمشاركة في المقاومة؛ كلٌّ في موضع تركيزه على قضاياه، فمن الممكن أن يقوم الطلاب والمعلمون بالاحتجاج على قضايا تعليمية معينة، وتحتجُّ القيادات الدينية على قضاياها، والصحفيون يقومون بنشر صفحات بيضاء اعتراضًا على منع بعض المقالات من النشر، وهكذا.
ومن الخطوات المهمة في استراتيجية التحرر التقييم الشامل لجماعة الموالين للدكتاتور، وبالأخص من الشرطة والجيش وتحديد درجة تلك الموالاة، ومعرفة هل هناك الكثير من الجنود والضباط غير راضين أو خائفين، ومن ثمّ التفكير في تنحيتهم من صف الدكتاتور إلى صف الجمهور، وهذا لا يُقصد به الإفصاح عن العصيان أو القيام بعدم طاعة الأوامر المباشرة، لأن هذا سيعرضهم لعقوبات عسكرية غاية في القسوة، كذلك لا يُقصد به القيام بأي محاولة عسكرية لتغيير الحاكم، وإنما القصد هو تنفيذ التعليمات المتعلقة بممارسة القمع لكن بصورة غير فعالة، الفشل في القبض على المطلوبين سياسيًّا، وأيضًا من شأنهم تسهيل الإمدادات الغذائية والصحية وتوفير ممرات آمنة للمشاركين في النضال.
وبعد كل هذا يجب أن ينتبه قيادات الحركات الديمقراطية إلى أي تحول استراتيجي سيطرأ على الأحداث المتلاحقة وكيفية الاستفادة القصوى منه، ومن ثَمَّ استغلال تلك الأحداث في المزيد من الشلل للنظام الدكتاتوري وتحقيق التقدم نحو إسقاطه ونيل الحرية.
الفكرة من كتاب من الدكتاتورية إلى الديمقراطية
رغم الإحصائيات الكثيرة عن عدد الدول التي يمكن وصفها بأنها حُرَّة؛ وأن العدد تزايد زيادة ملحوظة في السنوات العشر الأخيرة، فما زالت هناك شعوب كثيرة تعيش أسيرة تحت مظلَّة الظلم والفساد.
يتحدث الكاتب عن الأنظمة الدكتاتورية وآثارها السلبية في المجتمعات، ويضع تصورًا كاملًا لكيفية الخلاص منها ومعارضة الاضطهاد والتشجيع على الحريات، مُبينًا الطريق إلى ذلك وما يجب فعله من تخطيط ونضال سِلمي يبتعد كثيرًا عن العنف، محذرًا من مرحلة ما بعد الانتصار، فتلك المرحلة هي أكثر الأوقات التي تتعرَّض فيها الشعوب للنكسة والهزيمة.
مؤلف كتاب من الدكتاتورية إلى الديمقراطية
چين شارب: أستاذ العلوم السياسية، ولد عام ١٩٢٨ بولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، حصل على دكتوراه في الفلسفة وعلم الاجتماع، وارتبط اسمه بالكتابة والتأليف في الموضوعات الخاصة بالكفاح السلمي، وتوفي عام ٢٠١٨، ومن مؤلفاته:
ضد الانقلاب.
حرب اللاعنف.
البدائل السياسية.
القوة الاجتماعية والحرية السياسية.