لقاءات في بيروت
لقاءات في بيروت
الأوضاع في بيروت نشطة وواضحة وجليَّة سياسيًّا وقتها، فالطالب منتمٍ إلى حزب ما، والمحاضر لا يُخفي تحيُّزه السياسي أو انتماءه الحزبي، وبين هذا وذلك وجد الكاتب نفسه منحازًا إلى الإسلاميين لشجاعتهم وقتها في مواجهة التضليل السياسي الناصري، ولشخصيتهم الجادة والمحتشمة التي فرضت احترامًا لهم ممن حولهم، ولالتزامهم الفردي بأوامر الشريعة خصوصًا في ذلك الوقت المضطرب المنفتح، وأيضًا لأنه وجد فيهم شيئًا من الدعوة إلى الأصالة والتمسك باللغة.
التقى هناك في بيروت العديد من الشخصيات التي كان لها تأثير ثقافي وسياسي فيه، ومنهم على سبيل المثال: المحاضر حنَّا بطاطو، الذي توعد كاتبنا بالرسوب في مادته فعَمِل على كسب ثقته من جديد فقام بزيارته في منزله زيارة مُفاجئة، وبعد سهرة شتوية قرر أن يُعدّ ورقة بحثية في المقارنة بين كتاب ماركس “رأس المال” وكتاب أبي عبيد بن سلام “الأموال” لينال بها استحسانه وثقته من جديد.
من الشخصيات الغريبة أيضًا التي التقاها مصادفة في مسجد الداعوق رجل عرض عليه أن يشتري “كرافتة” من مجموعة في حقيبة سامسونايت كان يحملها معه ليلتقيه بعد عدة أيام مرة أخرى ويدعوه الرجل لتناول العشاء معه في منزله المتواضع، وبعد تلبية الدعوة وبإلقاء نظرة خاطفة على المنزل يكتشف الدكتور عبد الله أن هذا الرجل هو اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف قائد السرب السابق في السلاح الجوي المصري، وكان له دور أيضًا في الحركة التي أطاحت بالملك فاروق، وغير ذلك من أدواره المهمة، فهو رجل يعدُّ كنزًا ثقافيًّا وحياتيًّا لا تملك أمامه إلا أن تنصت لتستفيد، ومن المحطات المميزة أيضًا في بيروت انضمام الدكتور إلى “مركز الأبحاث الفلسطينية” رغبة في تقديم المساعدة لفلسطين، وبدأ أولى مهامه بجمع كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإسرائيل من عام ١٩٤٨ وحتى ١٩٦٥.
الفكرة من كتاب من أيام العمر الماضي
يبدو أننا لا نعرف كثيرًا عن العالم الذي نعيش فيه، فلكلٍّ تفسيره الخاص الناتج من تجارب ومعايشة لأوضاع من الصعب أن نحكم عليها عبر صفحات الأوقات، لكننا نكوِّن وجهة نظرنا الخاصة أيضًا من خلال الاطلاع عليها، ومن تلك التجارب تجربة للدكتور عبد الله النفيسي، إذ يرينا عالمه الخاص ويطلعنا على العالم من حوله أيضًا، فمن مدرسة فيكتوريا بمصر إلى مانشستر في بريطانيا ثم الجامعة الأمريكية في بيروت ثم العراق والشيعة والعودة إلى لندن ثم الكويت والسلطة مرورًا بالدمام وانتهاءً بالعين في الإمارات للعودة منها إلى الوطن.
مؤلف كتاب من أيام العمر الماضي
عبد الله بن فهد النفيسي: سياسي وأكاديمي انتُخِب عضوًا لمجلس الأمة، عمل أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة الكويت وجامعة الإمارات في مدينة العين، وهو يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية تشرشل بجامعة كامبردج في بريطانيا بعد أن حصل على الإجازة من الجامعة الأمريكية في بيروت.
من مؤلفاته: في السياسة الشرعية، وعلى صهوة الكلمة، والعالم بعد غزوة منهاتن، والمستقبل الغربي.