ماركس بلا ضفاف
ماركس بلا ضفاف
الله والموت والكتب السماوية، هذه هي المقدَّسات الثلاثة فقط وما عداها وضع بشر أي يقبل الأخذ والرد، وهذا بالضبط هو الإسهام الأكبر الذي تركه ماركس، فهو يُعدُّ صاحب شرارة البَدء في ماراثون الكتابات النقدية للاقتصاد السياسي ونقد الرأسمالية إبَّان نشأتها في الغرب، حيث استخدم المادية التاريخية كمدخل لخلخلة الركائز التي استندت إليها الرأسمالية الغربية ووجَّه هجومًا شرسًا لها في كتابه رأس المال الذي يعد إنجيل الماركسيين في العصر الحاضر، ورغم عدم موافقة ماركس الصواب في بعض أطروحاته؛ فإنه يحسب له شائعة الروح النقدية التي استلهمها علماء الاقتصاد بعد ذلك في كتاباتهم، وليس أدلَّ على ذلك من أن العالم اليوم ومع كل أزمة اقتصادية يمرُّ بها العالم الرأسمالي يبدأ صوت ماركس في الظهور من جديد، وتوجَّه الانتقادات اللاذعة لهذا النظام الاقتصادي القائم.
وعلى ذلك فالماركسي الحق لا يسير في جلباب أحد ولو كان ماركس نفسه، فهو لا يتوقَّف حيث انتهى ماركس، بل يبدأ من حيث انتهى، فكل إنتاج بشري هو بمثابة ميدان جديد للمعرفة يتطلَّب النقد والتمحيص، لذلك يمكن اعتبار الماركسية بمثابة وجهة النظر الثانية التي أخذت من المادية التاريخية وصراع الحضارات منطلقًا لتفسير الكثير من الظواهر الاقتصادية المعاصرة، ورغم أن أغلب الدراسات والأطروحات التي تناولت الاقتصاد في تلك الفترة إنما تناولته من واقع مصلحة أصحاب الأعمال جاءت أطروحة ماركس لتكون بمثابة صوت القاعدة العريضة من طبقة العمال التي يتم حلبها إلى آخر قطرة من قبل الرأسماليين، ورغم أنه لم يتناول البعد العالمي في تحليله للرأسمالية ولا تزاوجها مع السلطة، فإنه تناول بوضوح فكرة الإنتاج الرأسمالي، وأشار في ثنايا كتاباته إلى قضية التنمية غير المتكافئة، كما ولج إلى قانون القيمة وكذلك فكرة التوازن النقدي.
الفكرة من كتاب قانون القيمة المعولَمة
يمكن القول إنه ليس هناك نظام واحد يمكن أن تنتهجه جميع الدول لصنع نهضتها، ففي الوقت الذي كانت الصين تنتهج النهج الاشتراكي لتبنِّي جذور نهضتها التي نلمسها اليوم بوصفها قوة اقتصادية عملاقة تحرِّك الكثير من عرائس الشمع السياسية في العالم نجد أنه على الجانب الآخر من العالم كانت الرأسمالية تبني أقوى قوة في العالم اليوم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يعد هذا الكتاب من الدراسات المقارنة في الأدبيات الاقتصادية التنموية المعاصرة ربما نتمكَّن من خلاله انتقاء ملامح التنمية التي تتوافق مع معادلتنا الاجتماعية الخاصة.
مؤلف كتاب قانون القيمة المعولَمة
سمير أمين Samir Amin: مفكِّر واقتصادي مصري، وُلِد في 3 سبتمبر 1931، في محافظة بور سعيد، سافر إلى باريس حيث حصل على دبلوم في العلوم السياسية قبل أن يأخذ شهادة التخرُّج في الإحصاء والاقتصاد، ويعود إلى مصر حاملًا شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من السوربون، وعمل مستشارًا اقتصاديًّا في مالي وجمهورية الكونغو ومدغشقر وغيرها من الدول الأفريقية، كما عمل مديرًا لمعهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادى IDEP بداكار لعشر سنوات طوال السبعينيات، حيث تصدَّى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، وشارك في أثناء عمله هذا في تأسيس منظَّمات بحثية وعلمية أفريقية مثل المجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث، تُوفِّي في 12 أغسطس 2018.
من مؤلفاته: “دراسة في التيارات النقدية والمالية في مصر عام 1957″، و”البحر المتوسط في العالم المعاصر 1988″، و”من نقد الدولة السوفييتية إلى نقد الدولة الوطنية 1993″، و”في نقد الخطاب العربي الراهن 2009”.