صلة المثقف بالمجتمع
صلة المثقف بالمجتمع
الخطرُ الأكبرُ يتمثَّلُ دائمًا في محاولات تجريد المثقف من مجتمعه مثلَ عملية الانفصال الكلامية والشعورية التي حدثت في القرنين الخامس والسادس الإسلامي وكان فيهما فطاحلُ أمثال ابن سينا والغزالي والرازي، ورغم ذلك ساد التخلُّف العام والركود لحدوث تلك الفجوة بين المثقف والمجتمع.
بعد بناء المثقف ذاته، تبدأ علاقته بمجتمعه تتشكَّل وتتكوَّن ملامحها ومدى إمكانية استجابة الناس لذلك التأثير من عدمه، فعلاقة المثقف الغربي بالناس تكوَّنت على أرضية صلبة واكبت تحرُّر العمال اقتصاديًّا من بطش البرجوازية الحاكمة وتحرُّر المجتمع دينيًّا واجتماعيًّا من نفوذ الطبقة الدينية السائدة، فتكوَّنت مكانة خاصة لكلٍّ من المثقفين والعوام، وصار المتلقي مستعدًّا أن يُصغي للمُلقَى، لكن هذه الأرضية كانت هشة جدًّا في المجتمع الإسلامي، ولم تنشأ تلك العلاقة على أساسٍ يسمح بالتأثير والتغيير القائمين على منهجية واضحة مناسبة للمثقف والعامي معًا.
ويعتقد الكاتب أن المثقف الشرقي يعيش في الفترة التي تواكب أحداث القرنين الثالث عشر والرابع عشر في أوروبا، أي قرابة نهاية العصور السوداء وبداية صناعة الحضارة، ولذلك يجب النظر إلى تلك الرؤية الزمنية فقط عند الغرب لأن تلك الحقبة هي التي تتناسب مع طبيعة مجتمعنا الآن.
لكنْ؛ لماذا يتم تقبُّل كلام الشيخ وعالم الدين ولا يَلقى كلام المثقف ذلك القَبول؟
القول إن اللغة والمظهر هما المعيار الأساسي قولٌ خاطئ، وإنما الأمرُ أكثر تعقيدًا تاريخيًّا واجتماعيًّا، وهناك خطابٌ تاريخي وأصالة وأُلفة تجعل الناس أكثر راحة في تقبُّل كلام الشيوخ بصورة أكبر من المثقفين، حتى ولو كانت لغة الشيخ تختلف عن الناس ولغة المثقف تتفق، ومن الوارد في قادم السنوات أن تتساوى هاتان النظرتان أو تتقاربا إذا ما تم فقط تحليل موضوعي لتلك النظرات التفضيلية تحليلًا شاملًا ومحاولة التكيُّف مع نتائجها.
وينصح الكاتب المثقفين أن يسلكوا أصحَّ الطرق وليس أقصرها، فليس هناك ما يسمَّى بالتعامل الاقتصادي النفعي في محاولات التصحيح الاجتماعي، فإن أصح الطرق وإن كان أطولها سيسهم في تغييرٍ حقيقي للوعي يدوم لمئات السنين، كذلك لا يُصيب اليأسُ المثقفَ إذا ما غابت نتيجة فكره لفترة ما فإن غياب النتائج لا يعني انعدامها، ولا يعني الفشل وربما عدة هزائم وانكسارات تتجمَّع معًا لتتحوَّل إلى انتصارات وليعلمَ المثقفون أن الرسالة ليست هي قيادة المجتمع سياسيًّا وإنما قيادة الوعي الذي يخلق قيادة سياسية واقعية حقيقية تقود المثقفين أنفسهم.
الفكرة من كتاب مسؤولية المثقف
“إن مسؤولية المثقف في زمانه هي القيام بالنبوة في مجتمعه حين لا يكون نبي”.. هكذا يصف الكاتب دور المثقف في مجتمعه، وأنه مُحمَّل برسالة ثقيلة تجاه مجتمعه عليه أن يؤديها بصدقٍ وإخلاص، ويُعرِّف ماهية المثقف ثم يشرح تاريخيًّا واجتماعيًّا كيف انتقل ذلك المفهوم من الغرب إلى الشرق وكيف استقبلناه؟ مبينًا مسئولية المثقف الأساسية ومفسرًا شكل العلاقة بين المثقف والمجتمع والخصائص اللازمة لنجاحه في التأثير والتغيير.
مؤلف كتاب مسؤولية المثقف
علي شريعتي Ali Shariati: مفكر إيراني إسلامي، ولد عام ١٩٣٣، في مدينة خُراسان، وتُوفِّي عام ١٩٧٧، تخرج في كلية الآداب وذهب في بعثة إلى فرنسا في عام ١٩٥٩ لدراسة علمي الأديان والاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع، عمل سياسيًّا ومترجمًا وعالم اجتماع وفيلسوفًا ومفكرًا.
له مؤلفات عديدة؛ أهمها:
دين ضد الدين.
العودة إلى الذات.
النباهة والاستحمار.
الإسلام ومدارس الغرب.