أسلوب صناعة المثقف الشرقي
أسلوب صناعة المثقف الشرقي
أخذ المثقفون الشرقيون ينهلون من المثقفين الغربيين أفكارهم ومبادئهم وتوجهاتهم عن طريق النقل والترجمة والابتعاث، فأخذوا عنهم المغالاة في المادية والاستهلاكية، وطرحوا الزهد والورع والاتجاه الروحاني جانبًا واهتموا بما يحقِّق نهضة مادية واقعية فقط واعتنوا بما يمكن الاستدلال على صحته ووجوده والتأكد منه وفقًا للعلم التجريبي، وإن كان هذا مقبولًا في أوروبا فإنه لا يصلح في الشرق لاختلاف طبيعة المجتمعَين، وجعل المثقَّف الشرقي العلمانية منهجًا له فصار يعرِّف الطبيعة والإنسان كمواد جامدة يتم تفسيرها علميًّا وعمليًّا، ويفسرُ غرائز الإنسان على هذا الأساس ويهتم بإشباع رغباته وشهواته بغض النظر عن أي قيم أخلاقية أو قيم دينية عن طريق الفَهم المستنير والربط بين الإنسان والطبيعة وتسخيرها لمصلحته وخدمته، ومن ثم يكون الإنسان في نظر العلمانية آلة استهلاكية اقتصادية بعيدة عن التفسير الديني الروحي له، وأغفل المثقَّف الشرقي تمامًا الفروقات بين الأحداث المتتالية التي أدَّت إلى تبني تلك المناهج المادية في المجتمع الغربي، وأن مسبِّباتها لم تحدث على الإطلاق في الشرق، بل إن التصوُّر الإسلامي للمجتمع والحياة وشؤون الناس يختلف اختلافًا كليًّا عن التصوُّر الكنسي في العصور الوسطى، ومن ثم فإن ذلك القياس فاسد.
تعدُّ الحضارة مُنتجًا متكاملًا لا يُصدَّر ولا يُستورَد، وهذا النموذج الغربي الحضاري بما فيه من تقدم ورقي لا يمكن استيراد قواعده أو استيراد النموذج بالكامل ووضعه في غير بيئته، فلا يمكن أن يُنتج نفس المُنتج الثقافي والاجتماعي، وإنما لكي تنشأ حضارة ما فيجب أن تتفاعل مكوِّناتٌ عدة مثل الزمان والمكان والإنسان والأفكار، وأي خلل في عنصر من تلك العناصر ينتج جنينًا حضاريًّا مشوَّهًا، ولمَّا حدث ذلك التقدم الحضاري الغربي بعد عصور الظلام شعر المثقف الشرقي بعقدة النقص الاجتماعي فدفعته إلى تعويض ذلك النقص بالتقليد والتشبُّه بمن يزيدون عليه في كل شيء حتى لا يبقى أي إحساس بالتأخر عنهم وهذا لا يُقيم حضارة.
يقول الكاتب إن في حضارة يثرب التي أنشأها الرسول ﷺ من العدم ومعه المسلمون هي أكبر مثال لكيفية صناعة الحضارات، حيث حدثت البعثة وازداد التوسع فى الدعوة وصار المجتمع الساكن في حالة من الغليان والتقلب التاريخي في مكان ليس فيه حضارةٌ حاضنةٌ له، فخرج من تحت مظلة تلك الحضارة الإسلامية رجالٌ لا يُجيدون غير رعي الغنم، وأصبحوا حكامًا لبلادٍ عظيمة مثل مصر وإيران وإسبانيا وبعض الدول الأفريقية، وذلك هو التأثير الحضاري الحقيقي.
الفكرة من كتاب مسؤولية المثقف
“إن مسؤولية المثقف في زمانه هي القيام بالنبوة في مجتمعه حين لا يكون نبي”.. هكذا يصف الكاتب دور المثقف في مجتمعه، وأنه مُحمَّل برسالة ثقيلة تجاه مجتمعه عليه أن يؤديها بصدقٍ وإخلاص، ويُعرِّف ماهية المثقف ثم يشرح تاريخيًّا واجتماعيًّا كيف انتقل ذلك المفهوم من الغرب إلى الشرق وكيف استقبلناه؟ مبينًا مسئولية المثقف الأساسية ومفسرًا شكل العلاقة بين المثقف والمجتمع والخصائص اللازمة لنجاحه في التأثير والتغيير.
مؤلف كتاب مسؤولية المثقف
علي شريعتي Ali Shariati: مفكر إيراني إسلامي، ولد عام ١٩٣٣، في مدينة خُراسان، وتُوفِّي عام ١٩٧٧، تخرج في كلية الآداب وذهب في بعثة إلى فرنسا في عام ١٩٥٩ لدراسة علمي الأديان والاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع، عمل سياسيًّا ومترجمًا وعالم اجتماع وفيلسوفًا ومفكرًا.
له مؤلفات عديدة؛ أهمها:
دين ضد الدين.
العودة إلى الذات.
النباهة والاستحمار.
الإسلام ومدارس الغرب.