أحداث الإسماعيلية
أحداث الإسماعيلية
في الثاني من أبريل عام ألفٍ وتسعمائة وتسعة وستين غادر القطار الحربي يحمل على متنه جنودًا من أرجاء مصر إلى المنطقة الشرقية وتحديدًا مدينة الإسماعيلية، وكانت المناظر هناك كفيلة بإشعال ثورة في نفوسهم من آثار طلقات العدو على المنازل والمساجد، ونسوة يجلسن على الرصيف الشمالي وأمامهن بعض المتاع يبدو وكأنهن سيهاجرن إلى مدينة بعيدة، ونوافذ البيوت مغلقة ولا يبدو ظاهرًا للعين إلا رجال الجيش، فالمدينة مغلقة لأن العدو يركز مدفعياته عليها.
من هناك حمل الجنود أمتعتهم وألقوها في عربات الجيش المتجهة إلى مدينة القنطرة غرب، وهبطوا منها إلى عربة أخرى لتحملهم حيث مواقعهم، ولم يكن هناك سوى البيوت المهجورة والشوارع الخربة من طلقات المدفعية وصواريخ الطائرات، فالفلاحون بجوار الجنود المرابطين على أسلحتهم، والفلاح يحاول رفع ما دمره العدو من بيته، وآخر يشق ترعة بشق الأنفاس ليصل الماء إلى زرعه حيث لم يرغب في ترك القرية.
وعلى أطراف بحيرة (المنزلة) لم يكن الوضع مختلفًا، غير أن الحشائش كانت في كل مكان، ويبدو أن الفلاحين هجروا أراضيهم المحيطة بالبحيرة منذ أشهر دون زرعٍ أو حصاد للمحصول القديم، ولم يكن هناك سوى أقل القليل من البشر، فما بين القرية والكتيبة نحو عشرة كيلو مترات على الجندي قطعها مشيًا لأن جنود العدو كانوا يقطعون عليهم الطريق بالرشاشات والأسلحة الخفيفة.
في السادس عشر من أبريل عام ألفٍ وتسعمائة وتسعة ستين ركز العدو ضرباته وقصفت صواريخه معظم الأشجار، وتبادل الطرفان الصواريخ والقصف الذي توقف في النهاية، وأعادوا الكرَّة في أول مايو غير أن الخسائر كانت أكبر وبخاصةٍ للفلاحين، واشتعل حقل القمح وقتلت بعض الدواب من أثر القصف، واقتربت طلقات الصواريخ من مباني القرية، مما جعل القلة الباقية تقرر الرحيل.
الفكرة من كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
على ضفة قناة السويس دارت رحى الحرب بين مصر وإسرائيل فيما يعرف بحرب الاستنزاف، أو حرب الألف يوم، وحدث العديد من المناوشات بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى بعض المعارك الصغيرة أو التسلل إلى الضفة المقابلة وإيقاع خسائر في الجيش المقابل، وقد كانت المدافع المصرية منصوبة في وجه المدافع الإسرائيلية في قطاع شرق الإسماعيلية حيث كانت كتيبة المؤلف؛ فيروي لنا أحداث ما رآه من هذه الحرب، وأحداث رفاقه وأحلامهم وطموحاتهم وحماسهم وبسالتهم وأيضًا خوفهم، وقد كتبها بدافع من يريد إظهار بطولات الجنود البسطاء المنسيين على الحدود حتى تشعر أنك ترى الحرب وأحداثها ماثلة أمامك لا كاتب ينقلها لك ويتأثر بانفعالاته وانحيازاته؛ إنها بحق عمل جليل.
مؤلف كتاب مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس
أحمد حجي: كاتب، ولد عام 1941 بقرية ميت جراح بمحافظة الدقهلية، وتخرَّج في كلية الطب البيطري عام 1967، وبدأ نشاطه الاجتماعي في أواخر الخمسينيات، ففتح مدرسة لمحو أمية الفلاحين والعمال والنساء في قريته بالدلتا، وجُنِّد بالقوات المسلحة عام 1968 في مكان آمن بالقاهرة، لكنه طلب بنفسه الذهاب إلى الجبهة حيث تولى الشؤون الطبية في الكتيبة التي خدم بها على جبهة القناة حتى استشهاده عام 1972.
له مقالات في الثقافة والفن ومحو الأمية، نُشر أغلبها في مجلة “الطليعة”، وصدرت له عدة كتب، منها: “الكلمات والبارود”، و”الفلاحون والعمل السياسي”، و”محو الأمية عمل لا بد منه”، ومنعت الرقابة صدور كتابه “مذكرات جندي مصري في جبهة قناة السويس” عام 1972، ثم ها هو بين أيدينا الآن.