الأنا
من أين نستمد قيمتنا؟ هل من امتلاكنا للمال، أم من شعورنا بامتلاكه؟ وهل هذا سبب كافٍ لتقديرنا واحترامنا؟ هل من نجاحاتنا الدراسية، أو من تاريخنا الذي نفتخر به، أو من أعمالنا الحاضرة التي ننجزها؟
لو كنا نقيس قيمتنا بالنجاح الدنيوي فقط فمهما فعلنا من قربات أخروية لن تؤثر في نظرتنا إلى أنفسنا طالما لم نحقِّق النجاح الدنيوي الذي نريد الوصول إليه، ولو كنا نقيس قيمتنا بوظيفتنا فقط، فلن يفلح أي شيء آخر في تنمية إحساسنا بالقيمة طالما كنا متأخرين في السلم الوظيفي، فاقدين للاحترام فيه.
ولو كنا نرى أن قيمتنا تتحقَّق بدخول جامعة معينة ولم ندخلها فسنظل بقية عمرنا نقلِّل من أنفسنا، نافين شخصياتنا طالما لم نغير هذه النظرة.
نحن ننظر إلى ما توفِّره لنا (المادة) من قيمة كبديلٍ لأنفسنا، نهبط معها إذا هبطت، ونرتفع معها إذا ارتفعت، ونظل طيلة الوقت معلقين بهذه القيمة الوهمية خائفين أن نفقدها، أو تنقص قيمتها، أو حزانى لأننا لم نصل إليها، ولكن القيمة الحقيقية تنبع من وجودنا ذاته، ومن علمنا أن لنا قيمة وراء هذا الوجود، وأن هذه القيمة لا تأتي من شيء خارج عنا كالثروة أو الوظيفة أو الجامعة، والإيمان بهذه القيمة يجعلنا نعرف قدراتنا وننتبه إليها ونهتم بها، ما يوصلنا إلى ذواتنا الحقيقية، ويجعلنا نصل إلى ذروة الوعي النفسي بهذه الذات التي هبطت من السماء ليغمسها صاحبها في ملذات الدنيا، ويتعلق بها، ويضعها موضع الذات الأصلية فينشئ أخرى (وهمية)، وكما قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.
الفكرة من كتاب النباهة والاستحمار
يتحدث الكاتب عن النباهة بنوعيها (الفردية) و(الاجتماعية)، ويرى أن “الاستحمار” ينتج عن كل ما هو خارج عن إطار هاتين النباهتين، وأن هذا الاستحمار أصبح معزَّزًا بالعلم، والإذاعة، والتليفزيون، والتربية والتعليم، مما جعل من الصعوبة بمكان التعرف عليه بدقة.
ووسيلة النجاة من شؤم التبعية والتقليد والاستهلاك دون الإنتاج، والاستنزاف الفكري.. بكون هاتين الدرايتين مقياسًا لكل إنسان، وأن أي دافعٍ لتحريف الفرد أو الجماعة عن هاتين النباهتين دافع استحمار، وإن كان من أكثر الدوافع قدسية.
مؤلف كتاب النباهة والاستحمار
علي شريعتي: مفكر إسلامي، ولد في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1933، وانتقل إلى جوار ربه في الثامن عشر من يونيو عام 1977، حصل على شهادتي دكتوراه من السوربون، الأولى في تاريخ الإسلام، والثانية في علم الاجتماع، وعاد إلى إيران عام 1964، حيث عُيِّن مدرسًا بجامعة مشهد، وأسس حسينية الإرشاد لتربية الشباب عام 1969، واتخذها منبرًا لإلقاء محاضراته، واعتُقل أكثر من مرة، آخرها لمدة 18 شهرًا، وسافر على إثرها إلى لندن، ثم وُجد مقتولًا في شقته بعد 3 أسابيع من وصوله إليها، عن عمر يناهز الـ43 عامًا، وكان هذا قبل الثورة الإيرانية بعامين.
من أهم مؤلفاته: العودة إلى الذات، والنباهة والاستحمار، ومسؤولية المثقف. ويبلغ مجموع ما طُبع له في السبعينيات أكثر من 15 مليون نسخة.