النباهة
النباهة
كان لزامًا البدء بالاستحمار لأنه هو النتيجة التي يصل إليها من فقد نباهته، فتكون الغاية ماثلة أمامك في كل وقت، تعرف ما سيحصل لو حِدتَ عن هذين المفهومين، وفي هذا يقول الكاتب: “الحالة الخاصة التي نعيشها تفرض علينا أن نقول كلمتنا الأخيرة أولًا، وأن نقرأ الكتاب من آخره”.
والنباهة قسمان؛ قسم يتعلق بما هو داخل الإنسان، وقسم يتعلق بما هو خارج الإنسان، فلو كانت النباهة تدفعك إلى رؤية نفسك على حقيقتها، وتتعرَّف على ذاتك فهي نباهة فردية، أو نفسية تجعلك تؤمن بنفسك، ولو كانت النباهة تدفعك إلى الشعور بتاريخك ومجتمعك وثقافتك فهي نباهة اجتماعية تُحَملك ثِقلًا ثانيًا، تجعلك تدافع عن أمتك وثقافتك وتاريخك، وتحصين حاضرك ضد السرقة والهيمنة.
وعدوك الحقيقي هو من يسلبك هاتين النباهتين، ويورثك مكانهما جهلًا وفقرًا وتبعية، أو يضعفهما فيك. ولا يقوم بهذا عن وعيٍ منك؛ بل تدريجيًّا حتى لا تنتبه إلى ما يفعل، ويُغَيّرك فتجد بعد فترةٍ من الوقت ما كان سيئًا عندك أصبح مستحسنًا، وما كنت تنكره على غيرك أصبحت تحثُّهم عليه، وهذا لأنك تحصل على المقاييس والمفاهيم منه من غير أن تفكر فيها، وتستورد العلم من لدنه، وتقلده في أبسط الأمور، وعلاج هذا أن تبدأ في الوعي بنباهتك النفسية، فتولي انتباهًا إلى ما يجري بداخلك، وتحاسب نفسك أولًا بأول، وتفكر في مصيرك، وأن تبدأ في الوعي بنباهتك الاجتماعية لتعرف كيف تجري الأمور في الخفاء فتفلت من مصائدهم، ولا تنجرف في خلافاتهم الوهمية، أو مخططاتهم الخفية التي تهدف إلى شغلك، ونزع عقيدتك.
الفكرة من كتاب النباهة والاستحمار
يتحدث الكاتب عن النباهة بنوعيها (الفردية) و(الاجتماعية)، ويرى أن “الاستحمار” ينتج عن كل ما هو خارج عن إطار هاتين النباهتين، وأن هذا الاستحمار أصبح معزَّزًا بالعلم، والإذاعة، والتليفزيون، والتربية والتعليم، مما جعل من الصعوبة بمكان التعرف عليه بدقة.
ووسيلة النجاة من شؤم التبعية والتقليد والاستهلاك دون الإنتاج، والاستنزاف الفكري.. بكون هاتين الدرايتين مقياسًا لكل إنسان، وأن أي دافعٍ لتحريف الفرد أو الجماعة عن هاتين النباهتين دافع استحمار، وإن كان من أكثر الدوافع قدسية.
مؤلف كتاب النباهة والاستحمار
علي شريعتي: مفكر إسلامي، ولد في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1933، وانتقل إلى جوار ربه في الثامن عشر من يونيو عام 1977، حصل على شهادتي دكتوراه من السوربون، الأولى في تاريخ الإسلام، والثانية في علم الاجتماع، وعاد إلى إيران عام 1964، حيث عُيِّن مدرسًا بجامعة مشهد، وأسس حسينية الإرشاد لتربية الشباب عام 1969، واتخذها منبرًا لإلقاء محاضراته، واعتُقل أكثر من مرة، آخرها لمدة 18 شهرًا، وسافر على إثرها إلى لندن، ثم وُجد مقتولًا في شقته بعد 3 أسابيع من وصوله إليها، عن عمر يناهز الـ43 عامًا، وكان هذا قبل الثورة الإيرانية بعامين.
من أهم مؤلفاته: العودة إلى الذات، والنباهة والاستحمار، ومسؤولية المثقف. ويبلغ مجموع ما طُبع له في السبعينيات أكثر من 15 مليون نسخة.