التشتيت
التشتيت
سهلت الصناعة الرقمية التواصل بين الأفراد، وسهلت أيضًا التأثير فيهم، ومن الآثار الجلية لهذا التأثير التشتيت، وفي الفيزياء يُعَرّف التشتيت بأنه فصل موجات الضوء بعضها عن بعض، وعلى هذا يكون المعنى العام للتشتيت هو التفريق، والهدف منه توزيع القوة على أكثر من موضع، والتشاجر، والتحارب الوهمي الكاذب، وقد يكون التشتيت مباشرًا ومقصودًا تُحرَّك فيه الأذهان نحو هدفٍ معين، كما ترى مثلًا من تغير الذوق العام في سماع الأغاني ليتحول في زمنٍ قدره أقل من 10 سنوات إلى تفضيل تام للذوق الشعبي، بما فيه من إسفاف ومعانٍ رديئة.
وقد يكون غير مباشر عن طريق إشغال الذهن بقضية بسيطة وغير مهمة، لئلا يهتم بمعنى آخر أكثر أساسية وعجالة، كنفض الغبار عن قضية دينية في غاية الفرعية قتلت بحثًا منذ سنوات، فترفع الأسعار في غمرة انشغال كل فريق بتأييد فريقه ونصره، وهذا التشتيت عبر عنه الكاتب بلفظ (الاستحمار).
ويكون هذا التشتيت تخديرًا للأفكار، وتزييفًا للوعي، وانصرافًا عن الاستقلالية، والحرية، ولا يجب بالضرورة أن يكون ما ينشغل به الإنسان باطلًا فقط، فقد يكون حقًّا، ولكن هناك ما هو أكثر أهمية منه، أو حقًّا ولكن الهدف منه توجيه نظرك إلى كمالياته، دون أساسياته.
الفكرة من كتاب النباهة والاستحمار
يتحدث الكاتب عن النباهة بنوعيها (الفردية) و(الاجتماعية)، ويرى أن “الاستحمار” ينتج عن كل ما هو خارج عن إطار هاتين النباهتين، وأن هذا الاستحمار أصبح معزَّزًا بالعلم، والإذاعة، والتليفزيون، والتربية والتعليم، مما جعل من الصعوبة بمكان التعرف عليه بدقة.
ووسيلة النجاة من شؤم التبعية والتقليد والاستهلاك دون الإنتاج، والاستنزاف الفكري.. بكون هاتين الدرايتين مقياسًا لكل إنسان، وأن أي دافعٍ لتحريف الفرد أو الجماعة عن هاتين النباهتين دافع استحمار، وإن كان من أكثر الدوافع قدسية.
مؤلف كتاب النباهة والاستحمار
علي شريعتي: مفكر إسلامي، ولد في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1933، وانتقل إلى جوار ربه في الثامن عشر من يونيو عام 1977، حصل على شهادتي دكتوراه من السوربون، الأولى في تاريخ الإسلام، والثانية في علم الاجتماع، وعاد إلى إيران عام 1964، حيث عُيِّن مدرسًا بجامعة مشهد، وأسس حسينية الإرشاد لتربية الشباب عام 1969، واتخذها منبرًا لإلقاء محاضراته، واعتُقل أكثر من مرة، آخرها لمدة 18 شهرًا، وسافر على إثرها إلى لندن، ثم وُجد مقتولًا في شقته بعد 3 أسابيع من وصوله إليها، عن عمر يناهز الـ43 عامًا، وكان هذا قبل الثورة الإيرانية بعامين.
من أهم مؤلفاته: العودة إلى الذات، والنباهة والاستحمار، ومسؤولية المثقف. ويبلغ مجموع ما طُبع له في السبعينيات أكثر من 15 مليون نسخة.