أنماط الحوار وآفاته
أنماط الحوار وآفاته
اتفقنا سابقًا أن الحوار هو فعل مقصود، يظهر في صورة رسائل متوالية بين شخصين أو أكثر بهدف مشترك يتعاون الطرفان لتحقيقه، وللحوار أنماط عدة كثيرًا ما تختزل في شكل واحد، ولكن ننوِّه في البداية أن الأنماط المختلفة يميز بينها وفقًا للحالة لحظة الانطلاق والمنهج المتبع في الحوار والهدف النهائي.
فعندنا مثلًا النمط المشهور وهو ما يعرف بالمقارعة الشخصية، وهي اضطراب انفعالي، تتسم فيه المحاورة بالهجوم المطبوع بالعنف، وتحريك العواطف رغبةً في قهر الخصم، وكذلك هناك المنازعة الجدلية، ويكون منهجها هو المدافعة بالقول رغبةً في كسب الجمهور لصالحك، وعندنا المفاوضة، وفي لحظة الانطلاق يكون لدى المتفاوضين مصالح مختلفة، ويكون المنهج أشبه بالمساومة من أجل المنفعة الشخصية.
وهناك أيضًا المباحثة، والهدف من ورائها تحصيل المعرفة، فلغياب الدليل نتعاون معًا لبناء دليل والوصول إلى الحق، وهناك كذلك المحاولة النقدية التي تهدف إلى إقناع الطرف الآخر بشيء ما، عن طريق إيراد مجموعة من الحجج، وتقسم إلى محاورة نقدية تناظرية، وفيها يكون كل شخص ملزمًا بالدفاع عن دعوته وعليه أن يورد من الأدلة ما يؤكد قوله، أو تكون نقدية ولكنها غير تناظرية فيكون أحد المتناظرين عنده دعوى والآخر يشكك في هذه الدعوى.
وفي نهاية المطاف يجب على المتناظرين أن يتخلَّصا من الآفات التي تتعلَّق بالحوار فيتحوَّل إلى عراك، فيه تحريك للعواطف، واتهام متبادل، وتظهر فيه المفاسد والسفسطات، بل يجب أن نحرِّر محل النزاع كما أسلفنا، ونتخلَّص من الصور الذهنية التي يحملها كلٌّ منا عن الآخر، ونصحِّح النية والقصد من الحوار والنقاش ولا نكره أن يأتي الحق على لسان الخصم، فالمحاور في نهاية المطاف هدفه الأول الوصول إلى الحق.
الفكرة من كتاب الحِجَاج والمغالطة
خطيب مفوَّه قادر على هزيمة متخصِّص في الطب أو الهندسة أو الفلك، حتى لو كان مدار النقاش في تخصُّص هؤلاء جميعًا، والرد على مغالطات منطقية هنا وهناك، من كذب ودجل ومعلومات خاطئة، فكيف يمكن للإنسان أن يفكر في عالم اليوم، وسط كل هذا الكم المختلف المضطرب المتناقض من البيانات والمعلومات المتناثرة يمينًا ويسارًا؟ كيف يمكن أن تضع قدمك على بداية طريق التعلم والمعرفة، وكيف تتخلَّص من مرحلة الشك، وما سبيلك إلى أول قدم من سلم اليقين، هذا ما يحاول كاتبنا الإجابة عنه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب الحِجَاج والمغالطة
رشيد الراضي: كاتب مغربي، ولد في 20 مايو 1974، ودرس الفلسفة في مدينة أصيلة، ودرس مادة علوم التربية في المركز التربوي الجهوي بمدينة سطات المغربية، يحمل إجازة في الفلسفة من كلية الآداب جامعة الملك محمد الخامس في الرباط، ودبلوم الدراسات العليا في مناهج المنطق.
من أهم كتبه: المظاهر اللغوية للحجاج: مدخل إلى الحجاجيات اللسانية.