تلاوة القرآن وترتيله
تلاوة القرآن وترتيله
مثل حافظ القرآن وغير الحافظ كاثنين في سفر الأول زاده التمر، والثاني زاده الدقيق، فالأول يأكل متى شاء وهو على راحلته، والثاني لا بدَّ له من نزول وعجن وإيقاد نار وخبز وانتظار نضج، والعلم مثل الدواء لا يؤثر حتى يدخل الجوف ويختلط بالدم، فحفظ القرآن أحد مفاتح التدبُّر لأنه متى كانت الآية محفوظة تكون حاضرة، ويتم تنزيلها على النوازل والمواقف التي يمر بها الشخص بشكل سريع ومباشر، كما أن حفظ القرآن يعين على كثرة قراءته في الصلاة في أي زمان ومكان، لأن القراءة من المصحف لا تتيسَّر في كل وقت وفي كل مكان.
وكلما تقاربت أوقات القراءة وكثر التكرار كان أقوى في رسوخ معاني القرآن الكريم، ومن أجل ذلك كان السلف يحرصون على كثرة تلاوته وتكراره، والتكرار على نوعين: آني نتيجة للفهم والتدبر، قال ابن مسعود: “لا تهذُّوه هذَّ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة”، وأما التكرار الزمني أو التحزيب فهو مثل العلاج لا بدَّ أن يكون بمقدار معين حتى يحدث أثره، فالمدة التي أقرها النبي لأمته لمن رغب في الخير هي سبعة أيام إلى شهر، ونهى عن أقل من ثلاث، وجاءت نصوص في النهي عن هجر القرآن أكثر من أربعين يومًا.
أما الترتيل فيعني الترسُّل والتمهُّل، ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى بحيث يكون القارئ متفكِّرًا فيما يقرأ، يقول الله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، والجهر يعني رفع الصوت بالقراءة، أما التغنِّي فيعني التطريب وتزيين الصوت بالقراءة وفق ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضي الله عنهم)، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن يجهر به”.
الفكرة من كتاب مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ وكلام الله (عز وجل) حقٌّ مُبين، وحين نتأمل حولنا نجد الحفَّاظ الكُثر، ونجد المُصحف في كل البيوت، لكن أخلاق القرآن لم تعد بيننا، والقوة الإيمانية التي اكتسبها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته لا نملك ولو مقدارًا بسيطًا يسيرًا منها، فلماذا إذًا هذه النتيجة؟
في الحقيقة كان تعاملنا مع القرآن غير الذي أُنزل من أجله، فانصبَّ اهتمامنا على حروفه دون فهم معانيه واكتسابها، دون أن نتدبَّر آياته، وإن التدبُّر لهو الغاية التي أُنزِل من أجلها القرآن، ومن هنا ينطلق الكاتب في تعريف التدبر والوسائل المعينة عليه، وكيف نُحب القرآن ونكتسب معانيه؟ حتى نرتقي بالإيمان ونكون أهلًا للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
مؤلف كتاب مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة
خالد بن عبد الكريم اللاحم: كاتب وأستاذ علوم القرآن المساعد بجامعة الإمام، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، له عدَّة مؤلفات ضمن مشروع بعنوان “خطوات التربية على الحياة”، ومن تلك الكُتب:
الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان.
مفاتح إقامة الصلاة وإخلاص العبودية لله.
القراءة بقلب قلب النجاح في الحياة، وغيرها.