ناشئة الليل
ناشئة الليل
فإذا دخل ﷺ بيته تخفَّف من ثيابه، فإذا أوى إلى فراشه وضع سواكه عند رأسه ثم يجمع كفيه فينفث فيهما ويقرأ الإخلاص والمعوذتين ثم يمسح بهما رأسه ووجهه الشريف وما استطاع من جسده، ويضطجع على شقه الأيمن ويتابع أوراده وأذكاره.
فإذا انتصف الليل استيقظ ﷺ وتناول سواكه ليطيِّب فمه الشريف، ثم يرفع نظره إلى السماء ويتفكَّر في هدوء الليل في عظمة الله في خلقه وهو يتلو ﴿إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾، ثم يتوضأ ليصلي صلاة الليل، وربما لهج بالتسبيح والتعظيم لربه قبل أن يبدأ بالتهجد.
وكانت صلاته بالليل أطول صلواته استفتاحًا وقراءةً ودعاءً امتثالًا لأمر ربه ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ فيقرأ قراءة مترسِّلة مرتلة ولا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية عذاب إلا استعاذ، ولا آية تسبيح إلا سبَّح، وكان يطيل القراءة ويقلل الركعات تارة، ويقتصد في القراءة ويزيد الركعات تارة أخرى، وكان يطيل ركوعه كما يطيل قيامه وكذلك سجوده ليبتهل فيه بأنواع المسألة والدعاء، وكانت صلاته بالليل لا تزيد على ثلاث عشرة ركعة، فإذا أتم قيامه وأراد أن يوتر أيقظ زوجه لتوتر معه، ولا يزال ﷺ يقطع آناء الليل بين قراءة خاشعة ومسألة ضارعة وتسبيح إلى أن يبقى سدس الليل فيأوي إلى فراشه ليريح البدن الشريف بعد سبح ليل طويل إلى أن يصدع نور الفجر ظلمة الليل.
الفكرة من كتاب اليوم النبوي
كان ﷺ إذا مشى مشى بقوة وعزم وكان يمشي بعفوية كذلك بعيدًا عن التواقر المتكلف، وكان إذا التفت التفت جميعًا، وكان يتبسم لمن يلقاه، وكان إذا مرَّ بصبيان سلَّم عليهم، وكان إذا لقي الرجل من أصحابه سلّم عليه وصافحه، وكان إذا صافح أحدًا لا ينزعُ يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع..
في هذا الكتاب يستعرض الكاتب ساعات يوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكأنَّنا نعيش معه بساطة الحياة العظيمة وعفوية الحياة الجادة والتوازن بين مناشط الحياة، وكيف كان يتنقَّل ما بين العبادة ومسؤوليات الحياة ومتطلباتها وقضايا ومسؤوليات الدين والدعوة، وكيف كانت نفسه الشريفة تتسع لكل هذا فصدق فيه قول الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
مؤلف كتاب اليوم النبوي
عبد الوهاب بن ناصر الطريري: أستاذ جامعي، ونائب المشرف العام في مؤسسة الإسلام اليوم، تخرج في كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تخصص علوم السنة النبوية وتولى التدريس في الجامعة نفسها، شغل منصب المشرف العلمي على موقع الإسلام اليوم.
من أشهر مؤلفاته: “الإمام القرطبي ومنهجه في شرح صحيح مسلم”، و”كأنك معه” و”قصص نبوية” و”حديث الغدير”.