القيلولة
القيلولة
فإذا تعالت الشمس في السماء، ذهب النبي إلى بيته فيردِّد ذكر الدخول ويسلم على أهل بيته ثم يصلي الضحى أربع ركعات وربما زادها، فإذا صادف طعامًا طَعِم منه إذا لم يكن طعم في الصباح، وقد يعرض عليه الطعام وهو صائم فيفطر، وكانت هذه هي ساعات خلوته مع أهل بيته، فإذا خلا في بيته كان ألين الناس وأكرمهم، ضحاكًا بسامًا، يخدم نفسه وفي مهنة أهله كما ذكرت عائشة (رضوان الله عليها)، فهو خير الناس للناس وخير الناس لأهله، ففي حياته متسع للود والرحمة ومساحة للأنس والبهجة وعفوية الحياة ولهوها، وربما توافد عليه بعض نساء الأنصار يسألنه عن أمور دينهن في حضور أمهات المؤمنين.
وكان ينام القيلولة حتى إذا أذن بلال للظهر استيقظ ﷺ ليجيب داعي الله فيتوضأ ثم يصلي في بيته أربع ركعات وهو يقول: “إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح”، فإذا رآه بلال (رضي الله عنه) وهو خارج إلى الصلاة رفع الإقامة، وربما جاءهم حاملًا أحد أسباطه على رقبته فيضعه إلى جانبه ويكبِّر للصلاة فيُسِر القراءة ويطيلها، وربما صلى والطفل على عاتقه فإذا ركع وضعه وإذا قام رفعه كما صنع مع أمامة بنت زينب (رضي الله عنها).
وتتجلى رقة قلبه ﷺ عندما ركب على ظهره أحد سبطيه فأطال السجود حتى يفرغ الصبي من لعبه، فإذا قُضيت الصلاة أقبل على أصحابه يخطب فيهم إن كانت هناك حاجة أو عرض عارض لا يحتمل التأخير إلى الجمعة، وربما ذهب في هذا الوقت لقضاء بعض حاجات المسلمين أو للصلح بين المتخاصمين.
الفكرة من كتاب اليوم النبوي
كان ﷺ إذا مشى مشى بقوة وعزم وكان يمشي بعفوية كذلك بعيدًا عن التواقر المتكلف، وكان إذا التفت التفت جميعًا، وكان يتبسم لمن يلقاه، وكان إذا مرَّ بصبيان سلَّم عليهم، وكان إذا لقي الرجل من أصحابه سلّم عليه وصافحه، وكان إذا صافح أحدًا لا ينزعُ يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع..
في هذا الكتاب يستعرض الكاتب ساعات يوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكأنَّنا نعيش معه بساطة الحياة العظيمة وعفوية الحياة الجادة والتوازن بين مناشط الحياة، وكيف كان يتنقَّل ما بين العبادة ومسؤوليات الحياة ومتطلباتها وقضايا ومسؤوليات الدين والدعوة، وكيف كانت نفسه الشريفة تتسع لكل هذا فصدق فيه قول الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
مؤلف كتاب اليوم النبوي
عبد الوهاب بن ناصر الطريري: أستاذ جامعي، ونائب المشرف العام في مؤسسة الإسلام اليوم، تخرج في كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تخصص علوم السنة النبوية وتولى التدريس في الجامعة نفسها، شغل منصب المشرف العلمي على موقع الإسلام اليوم.
من أشهر مؤلفاته: “الإمام القرطبي ومنهجه في شرح صحيح مسلم”، و”كأنك معه” و”قصص نبوية” و”حديث الغدير”.