حفظ معاني القرآن الكريم
حفظ معاني القرآن الكريم
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾، فقد فرض الله (عز وجل) على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ومن معه القيام بالقرآن سنة كاملة، وكانت النتيجة صناعة الإنسان، أي إنتاج نماذج إنسانية فذة فريدة لا يماثلها أي نموذج في العالم، هذه الفئة القليلة هي التي أوكل الله (عز وجل) إليها حفظ دينه وتبليغ رسالته وإقامة دولة الحق، وقد يتصور البعض من علماء النفس أو الخبراء العسكريين أو بعض المفكرين أن إعداد القوة للفئة التي يناط بها التغيير يكون بدورات علمية وتدريبات عسكرية، لكن الله تعالى وهو الحكيم العليم قد اختار لهذه الصفوة من خلقه أمرًا آخر.
لقد كان القيام بالقرآن الأداة التربوية التي ركز عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) في بناء الجنود الذين يحملون الحق ويبلغونه للناس كافة، جرِّب أن تقوم بالقرآن سنة كاملة كل ليلة ثلاث ساعات على الأقل ترتل القرآن ترتيلًا حفظًا وجهرًا وتكرارًا ثم انظر النتيجة كيف تكون؛ إن النتيجة مؤكدة لكن مثل هذا العمل لا يتيسَّر إلا لمن يسَّره الله له.
ولا تعارض بين حفظ ألفاظ القرآن وتدبُّر معانيه فيجب أن يسيرا معًا، ولم يكن هذا السؤال واردًا في أذهان الصحابة (رضي الله عنهم)، فمنهجهم في هذه القضية واضح ظاهر، وإنما نشأت الحاجة إلى الكلام في هذه المسألة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) وتوسع الفتوحات وتعدد الأجناس حين خفي على البعض الهدف والغاية التي من أجلها أُنزل القرآن ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فنسوا أن حفظ الألفاظ وسيلة إلى تدبر المعاني ومن ثم العمل بها فقصروا همتهم وغايتهم وهدفهم على حفظ الألفاظ، فالمنهجية في هذه القضية أن عندنا ثلاثة أمور لا بدَّ من العناية بها: الأول هو الحفظ المتقن للألفاظ ولو كان المحفوظ قليلًا، والثاني هو تأكيد هدف التفكر والتدبر وأنه الأصل، والاجتهاد في الأخذ بالأسباب المؤدية إليه، والثالث هو الاجتهاد في ربط العلم المكتسب بالعمل بتدريب مستمر مكثف إلى أن يحصل النجاح في اقتران العلم بالعمل والنظر بالتطبيق.
إن تحقيق هذه الأمور هو الطريق إلى التربية على أخلاق القرآن، فالحفظ التربوي يربي التفكير وينمي الإبداع ويحقق الفَهم السديد للحياة لأنه بأركانه الثلاثة يوسع مدارك الإنسان وينمي ملكاته الذهنية ويصقل مهاراته العملية.
الفكرة من كتاب الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
إن حقيقة النجاح ليست مُقتصرة على المعنى الدنيوي فحسب، بل النجاح الحقيقي هو ما يجمع نجاح الدنيا والآخرة بهدي القُرآن الكريم والسُنّة النبوية، فإن موضوع هذه المسألة هو الأداة التي بُنيَت به أول دولة للإسلام، وذلك لأنها تبني الإنسان أولًا، والإنسان هو الرُكن الأوَّل في دولة الإسلام، ومن خلال هذا الكتاب يُقدِّم لنا الكاتب كيف يُمكن بناء الإنسان وصناعته حتى يصبح خليفةً لله (عز وجل) في الأرض.
مؤلف كتاب الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
خالد بن عبد الكريم اللاحم: أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الإمام، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، له عدَّة مؤلفات تحت مشروع بعنوان “خطوات التربية على الحياة”، ومن تلك الكُتب: “مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة”، و”مفاتح إقامة الصلاة وإخلاص العبودية لله”، و”القراءة بقلب قلب النجاح في الحياة”، وغيرها.