صناعة الإنسان بين الحفظ والفَهم
صناعة الإنسان بين الحفظ والفَهم
إن قوة الذاكرة والحافظة هي من أبرز أدوات النجاح في الحياة، وفي الآونة الأخيرة قسَّم بعض المتخصصين في التقويم والقياس الأسئلة إلى قسمين هما: الأسئلة الحفظية، وأسئلة التفكير والإبداع والاستنباط، لكن هناك من يهوِّن من الأسئلة الحفظية ويُمجِّد أسئلة التفكير والإبداع، لكن الحقيقة أن كلا الأمرين مطلوب، فالحفظ والفَهم هما ركنا التربية والتعليم.
وذلك لأن بعض المناهج التربوية تقتصر على الركن الأول من أركان الحفظ التربوي وتهمل الركن الآخر فتنتج بهذا المنهج نماذج غير مؤهلة تربويًّا، فظن أولئك أن العيب في الحفظ ولم ينتبهوا إلى مكمن الخلل ومكان النقص ليقوموا بإصلاحه بدل أن يمارسوا إفسادًا آخر، فإن تربية الإنسان وصناعته باختصار تقوم على تخزين المعلومات، أي الأفكار والمعتقدات الصحيحة، تخزينًا قويًّا راسخًا ثم توضيحها وشرح كيفية تطبيقها، ثم التدريب عليها حتى تثبت، فأولًا يأتي حفظ الألفاظ ثم يأتي شرحها وتوضيحها وبيان صلتها بالحياة ثم تأتي التربية والتعويد على تطبيقها.
ومن المعلوم أن الحفظ في الصغر والفهم في الكبر، فإذا شدَّدنا على الصغير ليفهم ضاع علينا الوقت الثمين للحفظ، وإذا أردنا بناء الكبير وتفهيمه دون حفظ لم نجد الأساس الذي نبني عليه فنكون بهذا الخلط أضعنا فترة البناء وهي عشر سنوات (الزهرة) من حياة الإنسان أي من الخامسة حتى الخامسة عشرة، فالخمس الأولى منها للحفظ والخمس الثانية للفهم المبدئي ثم الخمس التي تليها للفهم الأعمق، وهكذا يتعمق الفهم مرحلة بعد مرحلة في خطط خمسية متتالية قوامها وأساسها الخطة الخمسية الأولى.
إن إهمال حفظ الألفاظ في الصغر سببه أن أصحاب هذا المنهج يريدون ظهور الأثر مباشرةً وعليه رتبوا نظرية أنه لا يجوز أن يحفظ الطالب ما لا يفهمه، لكن الحقيقة أن الأمور تؤخذ بالتدريج، وأن المربي مثل الفلاح، فالفلاح يغرس النخلة ويخدمها بجد لكنه يعلم أن الثمرة قادمة، وأنه سيأتي وقت يجني ثمرة تعبه ومجهوده، فكذلك تربية الإنسان تمامًا، صحيح أنه يحفظ ونرى أنه لا يفهم لكنه بعد سنوات قليلة سيكون بأمس الحاجة إلى هذا الحفظ فإن تركه لحقه الضرر.
نحن في هذا العصر نبحث عن الحلول العاجلة الفورية في كل شؤون الحياة ومنها التربية التي لا تقبل هذا المنهج أبدًا، فإهمال الحفظ التربوي في الصغر يؤدي إلى صعوبة التربية عند الكبر، أما إذا استطعنا أن يحفظ الصغير ما نريد تربيته عليه في الكبر وجدنا فيما بعد الأساس الذي نبني عليه، وهو تلك الثروة اللغوية من المعلومات والأفكار المهمة التي مصدرها القرآن والسنة فيسهل شرحها له ومن ثم تربيته على تطبيقها.
الفكرة من كتاب الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
إن حقيقة النجاح ليست مُقتصرة على المعنى الدنيوي فحسب، بل النجاح الحقيقي هو ما يجمع نجاح الدنيا والآخرة بهدي القُرآن الكريم والسُنّة النبوية، فإن موضوع هذه المسألة هو الأداة التي بُنيَت به أول دولة للإسلام، وذلك لأنها تبني الإنسان أولًا، والإنسان هو الرُكن الأوَّل في دولة الإسلام، ومن خلال هذا الكتاب يُقدِّم لنا الكاتب كيف يُمكن بناء الإنسان وصناعته حتى يصبح خليفةً لله (عز وجل) في الأرض.
مؤلف كتاب الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
خالد بن عبد الكريم اللاحم: أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الإمام، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، له عدَّة مؤلفات تحت مشروع بعنوان “خطوات التربية على الحياة”، ومن تلك الكُتب: “مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة”، و”مفاتح إقامة الصلاة وإخلاص العبودية لله”، و”القراءة بقلب قلب النجاح في الحياة”، وغيرها.