أخطار الصورة ومنافعها
أخطار الصورة ومنافعها
للصورة منافع وأخطار كغيرها، فمن الممكن توظيف الصورة في مجالات علمية وإنسانية كثيرة، كالثقافة والتعليم والنشر، فهي تشكِّل عاملًا مشوقًا لإثارة اهتمام المتعلم وبخاصةٍ صغار الطلبة، فتقدم لهم فرصة للموازنة بين العقل والشعور وتبعد عنهم الرتابة والملل، كما أن التمثيل البصري يزيد الفكرة وضوحًا، ويمكن استخدام الصورة في الخرائط الذهنية لتحقيق أكبر قدر من الفاعلية التعليمية أو الإنجاز، أما البحث القضائي والجنائي فالصور والفيديوهات تعدُّ قرائن تمنح السلطات حق التحقيق.
وتلجأ معظم السلطات الجنائية للتصوير الجنائي للتعريف بكل شخص يتم اعتقاله، فتؤخذ له صورة جانبية وأخرى مقابلة للوجه، بالإضافة إلى المحاكاة ثلاثية الأبعاد التي تساعد المحققين على إعادة تمثيل الجرائم والحوادث لبحث كل السيناريوهات المحتملة، كما تستند بعض التحقيقات إلى البحث المجهري في الأدلة التي يعثر عليها في موقع الجريمة فضلًا عن رفع البصمات، أما المحاكاة بطيفها الواسع فتقدم عددًا واسعًا من الخدمات مثل تجسيد ما يصعب تصويره بالكاميرا، أو إعادة تركيب الماضي وتشكيله بصريًّا كمحاولة فهم كيف عاش الناس قديمًا، أو بناء عالمٍ افتراضي لدراسة الاحتمالات المتعددة للأبحاث، أو في قمرات القيادة لمحاكاة التدريب الحقيقي للطيارين.
إلا أن للصورة أخطارًا على حياتنا، فالصورة سلاح ذو حدين، فقد تطوَّرت تقنيات التجسُّس والمراقبة وتدخَّلت وسائل في كل حياتنا بالقدر الذي لا يسمح لنا بملاحظة خطر هذا التدخل وتسجيل كل ما يجري وتوظيفه لأغراض أمنية أو تسويقية. الهواتف المحمولة أجهزة تنصُّت حتى وإن كانت مغلقة والحواسيب المحمولة تنقل البيانات بشكلٍ تلقائي، ومن السهل زرع كاميرا على هيئة قلم أو كتاب، وهذه الأخطار ليست أمنية فقط، بل تمتد لتشكيل عقلنا، فثقافة الاستهلاك المسيطرة علينا لم تجد طريقها إلينا إلا عبر وسائط الصورة الإعلامية والفنية؛ فهي تنمِّط العقل أولًا وتسطِّحه، ثم تحفز الجانب الغريزي منا فيتحول الجنس والعنف إلى مشاهد مرغوبة أكثر من كونها منفِّرة.
هذا غير تبلُّد الإحساس ولوثة السرعة في كل شيء، فالاعتياد الدائم على الدفق المتواصل للصور والمعلومات يؤثر في قدرتنا على الاستيعاب والتركيز وسط حالة التشتُّت الدائمة في عالم الصورة، فمن المهم التعامل مع هذا السلاح بحذر وتطويعه لما ينفع الناس.
الفكرة من كتاب قوة الصورة.. كيف نقاومها ونستثمرها؟
“إذا كانت الصورة هي الوسيلة الأقوى للطغيان والإفساد في عصور الأمية، فشيوع القراءة والعلم لم يغير الكثير في عصرنا الذي أُطلق عليه اسم “عصر الصورة”، وكأن تطور العلم كان سببًا في تطور توظيف الصورة لتحقيق الأهداف ذاتها، بدلًا من تحرير الإنسان من عبوديته”.
يبحث هذا الكتاب في تاريخ الصورة وأنواعها والفرق بينها وبين الكتابة وطرق التلاعب بها والتأثير في الناس من خلالها، ويهدف إلى توعية المتلقي بخطرها ووسائل استغلالها، وفتح الباب لفهم آليات توظيفها في الخير.
مؤلف كتاب قوة الصورة.. كيف نقاومها ونستثمرها؟
أحمد دعدوش: كاتب وباحث وإعلامي، من مواليد 1979م، حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد ودبلوم العلاقات الاقتصادية الدولية وليسانس في العقيدة والفلسفة، إضافةً إلى دورات في الإعلام والإخراج التلفزيوني من مراكز دولية.
أعد وأخرج العديد من البرامج والأفلام الوثائقية، وصدر له كتاب “ضريبة هوليود” و”المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام” و”مشكلة الزمن: من الفلسفة إلى العلم”، وله عشرات الأبحاث والمقالات والتحقيقات المنشورة ورقيًّا وإلكترونيًّا.