نشأة الصورة وتطوُّرها
نشأة الصورة وتطوُّرها
لما خلق الله تعالى آدم علَّمه مسميات الأشياء، وأذن له بالنطق والسمع والإبصار في وقتٍ واحد، فاقترنت الصورة بالكلمة منذ مولد البشرية. وبتتبع التاريخ وعلم الآثار نجد أن تشعُّب البشر وتعقيد الحياة جعل الإنسان يعبِّر بأساليب جديدة إما تلبية لحاجةٍ إبداعية في نفسه، وإما رغبة في نقل خبراته ومعارفه للآخرين؛ فبدأ في استخدام كفيه وأصابعه، ومن هنا نرى الرسوم والنقوش على جدران الكهوف التي تجعلنا نضع الرسم في مقدمة الفنون السبعة التي أبدعها الإنسان من حيث الظهور.
هذه الفنون هي الرسم والزخرفة والنحت والعمارة والموسيقى والإيماء والرقص والشعر، وأضيفت السينما في القرن العشرين، ومن حيث علاقتها بالدين نجد القرآن الكريم ذكر أرض بابل وحزن الناس فيها على وفاة أحد رجالهم الصالحين وكان يدعى (ود) فأقنعهم إبليس بصنع تمثال تخليدًا لذكراه، وتكرر الأمر مع أربعةٍ آخرين من الصالحين، ثم أقنع الجيل التالي لهم بأن هذه التماثيل للعبادة، فأصبحت أوثانًا مقدسة، حتى أتى نبي الله نوح (عليه السلام) وأغرق الطوفان الأرض، واستأنفت البشرية حياتها، وظهرت الخرافات والأساطير ثانيةً وعُبِد كل ما سوى الله.
لقد اشتُقَّ لفظ الصورة اللاتيني (imago) من أصله اليوناني أيقونة (icon) فبات المصطلح في اللغات الأوروبية يعني التمثيل المصور للأشياء بالتشابه المنظوري، سواء أكانت ثنائية الأبعاد كالرسم والتصوير أم مجسمة مثل النقوش البارزة والنحت، ونجد المسيحية طُعِّمت بوثنية مختلطة فحرَّفوا ما أتى به عيسى (عليه السلام) وعبدوا الأيقونات، وهي الصور المتماهية مع نموذج المسيح (عليه السلام) والعذراء مريم والملائكة والقديسين، وفي الإسلام حطَّم النبي (صلى الله عليه وسلم) الأوثان وطمس الصور وحطَّم الأضرحة رغم تسامحه مع بقية المعتقدات.
ومع نهضة أوروبا في القرن الخامس عشر وحلول الإنسان مكان الإله، ورفع شأن العقل وما تقع عليه العين من جمال محسوس وتمييع الدين وحلول الإلحاد والعلمانية مكانه، سقط الإنسان عن المركز وبقيت المادة وأصبحت نقطة الارتكاز في عقل الفرد نفسه ليعبِّر الفن عن الضياع والعدمية، إلى أن أقحمت التقنية الصورة في كل مناحي الحياة لتصبح مجردة عن الفن نفسه، وتغدو أداة للدعاية والإعلان والتوجيه وحتى الأسطورة.
الفكرة من كتاب قوة الصورة.. كيف نقاومها ونستثمرها؟
“إذا كانت الصورة هي الوسيلة الأقوى للطغيان والإفساد في عصور الأمية، فشيوع القراءة والعلم لم يغير الكثير في عصرنا الذي أُطلق عليه اسم “عصر الصورة”، وكأن تطور العلم كان سببًا في تطور توظيف الصورة لتحقيق الأهداف ذاتها، بدلًا من تحرير الإنسان من عبوديته”.
يبحث هذا الكتاب في تاريخ الصورة وأنواعها والفرق بينها وبين الكتابة وطرق التلاعب بها والتأثير في الناس من خلالها، ويهدف إلى توعية المتلقي بخطرها ووسائل استغلالها، وفتح الباب لفهم آليات توظيفها في الخير.
مؤلف كتاب قوة الصورة.. كيف نقاومها ونستثمرها؟
أحمد دعدوش: كاتب وباحث وإعلامي، من مواليد 1979م، حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد ودبلوم العلاقات الاقتصادية الدولية وليسانس في العقيدة والفلسفة، إضافةً إلى دورات في الإعلام والإخراج التلفزيوني من مراكز دولية.
أعد وأخرج العديد من البرامج والأفلام الوثائقية، وصدر له كتاب “ضريبة هوليود” و”المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام” و”مشكلة الزمن: من الفلسفة إلى العلم”، وله عشرات الأبحاث والمقالات والتحقيقات المنشورة ورقيًّا وإلكترونيًّا.