مَن المُرسِل؟
مَن المُرسِل؟
كيف تقدُِّر لرسالةٍ قدرها وأنت تجهل مصدرها ومرسلها؟ الحمد لله أن لم يتركنا في جهل وضلالة، فمضمون الرسالة نفسها ومن أعظم مقاصدها التعريف بمُرسِل الرسالة؛ ربنا سبحانه وتعالى، وكان أول ما نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم): ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، فعرَّف الله عباده عليه أول ما عرّفهم أنه ربهم مربيهم بالنعم المشاهدة بين أيديهم، ومن أخصِّها وأجلِّها أنه خلقهم وأوجدهم من العدم، فماذا كان الإنسان قبل أن يكون! لم يكن شيئًا مذكورًا كما جاء في القرآن، أي لا شيء أبدًا، وهذا مما لا يمكن تصوُّره أو تخيُّله، ومن أدرك معنى الربوبية انطلاقًا من قضية الخلق هذه قام بأداء حق الألوهية تعبُّدًا وتوحيدًا لله وحده لا شريك له.
والخالق اسم من أسماء الله سبحانه الحسنى، وهي بجانب مضمون الرسالة من الأمور التي يتعرَّف بها العباد إلى خالقهم أيضًا، ومنها ما عرَّفه الله سبحانه للخلق ومنها ما استأثر بعلمه سبحانه، والتعامل مع هذه القضية له شأن آخر، فأسماء الله ليست كأي أسماء، بل هي أسماء قد بلغت في الحسن الغاية والتمام، ومنها أسماء وصفات لله هي في حق الله سبحانه كمال وجلال وفي حق الإنسان ذم ونقص، ومنها ما جاء في الحديث القدسي: “قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار”.
إننا ضعفاء جميعًا بحاجة إلى ركن شديد نأوي إليه ولله المثل الأعلى سبحانه، ومنه وإليه الملجأ، لذا كانت معرفة الله والتعريف به رأس العلم وأصل المحبة ومَعِين الأنس، أنس بالله ثم أنس بالحياة ومن عليها وفهم لحقيقتها وتصالُح مع الموت، ونحن في هذا لسنا وحدنا، فالكون كله في حالة تعرُّف وإجلال وخضوع لبارئه ومصوِّره على غير مثال سابق، وتلك المعرفة في تجدُّد وإشراقة مستمرة لا تنتهي إلا عند الموت، استعدادًا لملاقاة الملك الذي شغلت نفسك بالتعرف عليه!
الفكرة من كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
“جاء القرآن رسالة تعبر تلك المسافات كلها لتلقي على الإنسان خطابًا ربانيًّا عظيمًا، يحمل قضايا محددة، قصد إبلاغها للناس”، فكيف نتحدَّث عن رسالة لا يزال عبيرها أخاذًا، يزيده مرور الزمن نداوة، والحرف فيها مقدَّس وله وزن، والكلمة فيها بمقدار فلا زيادة ولا نقصان، أليس الأولى والأحرى بقوم بين أيديهم تلك الرسالة وذلك البلاغ الرباني أن يولوه عناية فائقة وأن يقدروه حق قدره وأن يحفظوا مضمونه قولًا ويتمثَّلوه فعلًا ويقدِّسوه إحساسًا وشعورًا!
هنا في هذا الكتاب شيء من مضامين ذلك البلاغ، بل أصوله وعظيم مقاصده.
مؤلف كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حاصل على دبلوم الدراسات الجامعية العليا في الدراسات الإسلامية في أصول الفقه من كلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، كما حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب أيضًا جامعة السلطان محمد بن عبد الله بمدينة فاس في المغرب.
من مؤلفاته: “الفطرية بعثة التجديد المقبلة”، و”البيان الدعوي وظاهرة التضخُّم السياسي”، و”جمالية الدين”.