الرسالة العلوية
الرسالة العلوية
من رحمة الله (سبحانه وتعالى) بخلقه أن منَّ عليهم بخلقهم ابتداءً ثم منَّ عليهم بأن أرسل إليهم رسلًا وأنزل عليهم كتبًا سماوية مقدسة تحوي شرائعه وأوامره إلى خلقه، والتي ما إن اتبعوها وأطاعوا حتى نالوا الفلاح الحقيقي، فكلنا نحفظ ونعي تلك المقدمة جيدًا لكن لنفكِّر كي نفهمها بشكل تفصيلي نوعًا ما ونتذكَّر، والرسالة محتوى أو مضمون لأمر يريد أن يوصله ويبلغه المرسِل للمرسَل إليه بواسطة بينهما، وبالتالي فإن الأديان أو الشرائع هي نوع خاص من الرسائل، رسائل من رب العزة سبحانه إلى خلقه بواسطة رسله، ومن هنا اكتسبت خصوصيتها وقدسيتها وعصمتها.
والإسلام هو الرسالة الخاتمة التي لن يرتضي الله سواها من عباده كما أخبرهم بذلك، ورسالة الإسلام رسالة مميزة، فمحورها قائم على القرآن الكريم كلام رب العزة وأيضًا على السنة النبوية المطهرة المفصَّلة والمبيِّنة له، فإن تأمَّلنا أوصاف القرآن في القرآن نفسه وجدناه هدًى ونورًا ورحمة وغيرها، وكيف لا يكون ذلك لفظًا ومعنًى وهو الحبل الواصل بين عالم الغيب والشهادة، بين بني آدم، ذلك الخلق الطيني الأجوف وبين رب البشر، رب آدم النافخ فيه من روحه سبحانه! وذلك الحبل هو الوسيلة الأصدق للمعرفة والفهم لحقيقة الدنيا وحقيقة الاستخلاف فيها وحقيقة العبودية والربوبية وحقيقتك وتاريخك ودورك.
إنَّ العلم يشرُف بشرف المعلوم وتزداد أهميته بازدياد الحاجة إليه، لذا فإن أولى الخطوات المهمة في السير إلى الله سبحانه على بصيرة تكون من خلال القرآن وبه، قراءة مفضية إلى تدبُّر وتدبُّر مفضٍ إلى تفكُّر وتفكُّر يكون به الإبصار الحقيقي، حيث تبصر حقائق الوجود والطريق من خلال الآيات، فكأنها تتجسَّد أمامك في أحوال نفسك وتقلُّبات زمانك، وكما أن تدبُّر القرآن والنظر في مآلات الآيات يكشف لك حقائقها فإن التفكُّر يكشف لك حقائق الآيات الكونية وكلاهما يُبصِّرك ويجلي عن عينيك غشاوة الطين الأرضي ويُلبسك عدسة قرآنية تفسِّر من خلالها الحياة.
الفكرة من كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
“جاء القرآن رسالة تعبر تلك المسافات كلها لتلقي على الإنسان خطابًا ربانيًّا عظيمًا، يحمل قضايا محددة، قصد إبلاغها للناس”، فكيف نتحدَّث عن رسالة لا يزال عبيرها أخاذًا، يزيده مرور الزمن نداوة، والحرف فيها مقدَّس وله وزن، والكلمة فيها بمقدار فلا زيادة ولا نقصان، أليس الأولى والأحرى بقوم بين أيديهم تلك الرسالة وذلك البلاغ الرباني أن يولوه عناية فائقة وأن يقدروه حق قدره وأن يحفظوا مضمونه قولًا ويتمثَّلوه فعلًا ويقدِّسوه إحساسًا وشعورًا!
هنا في هذا الكتاب شيء من مضامين ذلك البلاغ، بل أصوله وعظيم مقاصده.
مؤلف كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حاصل على دبلوم الدراسات الجامعية العليا في الدراسات الإسلامية في أصول الفقه من كلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، كما حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب أيضًا جامعة السلطان محمد بن عبد الله بمدينة فاس في المغرب.
من مؤلفاته: “الفطرية بعثة التجديد المقبلة”، و”البيان الدعوي وظاهرة التضخُّم السياسي”، و”جمالية الدين”.