المرأة والحركات التحررية
المرأة والحركات التحررية
يحكي الكاتب كيف سمع عن أمريكا في البداية، وكان من ضمن ما سمع أن هذه البلاد تحكمها النساء، رغم أن فيها رجالًا، لكـنه ما إن وصل حتى وجد أن الأمر ليس كما يقال أبدًا، بل إن المرأة في الولايات المتحدة مقهورة بشكل مساوٍ إن لم يكن بشكل أكبر من الرجل، وبشكل أكبر من المرأة في الشرق، ومن أجل هذا تصاعدت التوترات بين المرأة والمجتمع، فظهرت الحركات التحررية، ولكـن للأسف ككل الحركات التحررية التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تنحرف عن مسارها وأهدافها الأصيلة بشكل يجعل منها مسخة، فتحرير المرأة وضع عبئًا مضاعفًا عليها، فهي تعمل في داخل المنزل وخارجه.
ولو كانت هذه المرأة سوداء وفقيرة فإنها لا تعاني شيئًا عنصريًّا فقط، وإنما تعاني طبقيًّا وجنسيًّا إضافة إلى العنصرية، والأسرة النووية التي تحدثنا عنها تعد بمثابة مصادرة جزئية لحرية الرجل، بينما هي مصادرة كاملة لحرية المرأة، ومن هنا أتت ثوراتهم لتقضي على كل شيء وتمد الخط على استقامته ليظهر نموذج المرأة المشوهة التي لا علاقة لها بالطبيعة البشرية، وكيف يمكن أن توجد الطبيعة البشرية في جو كهذا!
أما سيدات الحركات التحررية وبعض أفكارهن “التحررية”، فنجد أن الطلاق وإجهاض الأجنة هما الغاية والمنتهى، فالحديث عن المرأة المتحررة أوصلنا في النهاية إلى إنكار الفطرة الطبيعية وأن يكون الطلاق هروبًا من الاجتماع الإنساني، وبدلًا من الثقة المتبادلة بين الطرفين يتحولان إلى الانفصال التام، ويعد إجهاض الأجنة في ظل تلك الظروف والممارسات اللاأخلاقية شيئًا عاديًّا.
وفي هذا النسق ربما يلتمس دعاة التحرر بعض الحقائق العلمية في إقرار ذلك، فيخبرنا بعضهم أن الإجهاض أكثر أمانًا من مخاطر إعالة طفل بلا هوية، أو دون حقه الطبيعي في الحياة بين أبوين وفي أسرة مستقرة، ومن هنا نجد أن ظاهرة الشذوذ هي إفراز طبيعي لهذه الرؤية التي تنكر الفطرة والطبيعة، وتتمسَّك بالتحرر في ظل مجتمع خالٍ من القيم والثوابت، ثم نجد في النهاية أن النموذج النهائي للزواج يتحول إلى ما يعرف بـ”العقد الشامل”، أو المشروط، وهو أشبه بوثيقة اتفاق مشترك يُكتب فيها كل ما يمكن الحصول عليه من شروط بشكل يُفقِد الحياة طبيعتها ورونقها ويفسدها، وكأنه عقد ملزم بما فيه فقط، دون الاهتمام بأمور الحياة الطبيعية والفطرية والإنسانية أو على الأقل بإهمالها.
الفكرة من كتاب الفردوس الأرضي
للدكتور عبد الوهاب المسيري فلسفة متكاملة في كل كتبه وأطروحاته، تمثل هذه الكتب القيِّمة صندوقًا مغلقًا يصعب الولوج إليه بغير المفتاح والمدخل، فهذا الكتاب بمثابة المدخل إلى كل كتب المسيري، أما باقي كتبه فهي بلورة لهذه المعاني التي تجلَّت له في هذا الكتاب، فهو يلقي الضوء على مرحلة فارقة في حياة كاتبه، واصفًا انتقاله من النموذج المادي إلى الإنسانية والإسلام.
يرفض المؤلف في هذا الكتاب النموذج الغربي المادي الذي يحاول تحقيق الفردوس الأرضي فيحول الأرض كلها جحيمًا تحت قدميه، ويتحدث المسيري كذلك عن مدخله للإسلام عبر مالكوم إكس الشخص الذي أدرك أن فردوسه في الحياة الدنيا هو فردوسه القلبي الإيماني.
مؤلف كتاب الفردوس الأرضي
عبد الوهاب المسيري: مفكر وكاتب مصري، يعد أحد أهم أعلام القرن العشرين، ولد في أكتوبر عام 1938 في مدينة دمنهور، وتُوفِّي في الثالث من يوليو عام 2008، تخرَّج في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ثم سافر ليحصل على الماجستير من جامعة كولومبيا، وحصل على الدكتوراه من جامعة روتجرز بالولايات المتحدة الأمريكية، وعندما عاد إلى مصر درَّس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود، وكان مستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية.
صدر له العديد من المؤلفات وعشرات الدراسات والمقالات، من أبرز كتبه: “الفردوس الأرضي” و”رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمار” و”دراسات معرفية في الحداثة الغربية” و”العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”.