الحركات الإسلامية
الحركات الإسلامية
قد أشار الكاتب إلى بعض مظاهر الفجور السياسي الذي استفحل وطغى على المجتمع المغربي ويكاد ينحصر هدفه في القضاء على التدين المجتمعي وإماتة روح الضمير في أفراده ليعتادوا المنكر ويتقبَّلوه جيلًا بعد جيل حتى تجد أجيالًا تأنف المعروف وتستنكره وتضيِّق على أهله وتُيسِّر للمنكر سبله وتُنوِّع له في طرائقه، وبسبب ذلك الفجور أيضًا من الممكن أن يصل بعض الأفراد المتدينين إلى التطرف في فَهم الدين وممارسته كرد فعل طبيعي على تضييق أهل الفجور السياسي واستفزازهم لتلك الفئات المتدينة، مما قد يعود بالفوضى والضرر على أهل الفجور أنفسهم بعكس ما توهموا.
لكنْ، أين الحركة الإسلامية من كل هذا؟ لقد تم دفعها بعيدًا خارج أرض المعركة، فهي ترى أنها تحارب وتجاهد وتشارك في تلك المعركة، وأنها طرف كفؤ فيها على العكس تمامًا، وبالتالي يصبح الإسلاميون أمام خيارين: إمَّا التصادم والمواجهة السياسية والاندفاع نحو ذلك العالم، إلا أن هذا الخيار لم يثبت نجاحًا، بل بالعكس ففي ظل المجتمعات التي يغشاها الفجور فإن خيارًا كهذا لن يكون فاعلًا إلا إذا وجدت لدى الشعوب قابلية للتدين، وهنا يأتي مجال عمل الحركة الإسلامية لأن المجتمعات والشعوب في الحقيقة لا تعبأ بكل تلك الأحزاب وإنما هي تنقاد فقط لمن يلبي لها رغباتها وشهواتها.
والخيار الثاني هو التصالح أو الاختيار المشترك، ومن تبنى هذا الخيار حاول التخلص من المواقف السياسية وتعامل مع المجتمع بشتى شرائحه بشكل دعوي تآلفي إلا أنه يعاني انعدام الخطط والاستراتيجيات الواضحة للعمل الدعوي، وأيضًا كونه يكتفي بالنقد دون تقديم حلول دعوية واقعية، وذلك نظرًا إلى افتقاره كما أسلفنا إلى الاستراتيجيات القابلة للتحقُّق والتنفيذ على أرض الواقع، وإن وُجدت تلك الخطط فإنها لا تخلو من المثالية، وبالتالي يأتي التطبيق العملي ضعيف جدًّا مقارنة بالتخطيط، فتبقى تلك الخطط حبيسة الأوراق وتُستبعد الحركات الإسلامية من الساحة شيئًا فشيئًا، وقد رفع الاكتفاء بتقديم النقد دون عرض رؤى بديلة، دعاة الفجور لمنصب صناعة الحدث وهوت بنفسها الحركات الإسلامية لكونها مستقبلة للحدث، فهي في انتظار أخبار وأحداث جديدة للتعليق عليها ونقدها.
الفكرة من كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
“إنَّ العمق الإستراتيجي للدعوة والعمل الإسلاميين إنما هو تدين المجتمع، كما تبين أنَّ أخطر ما يهدِّد ذلك هو موجة الفجور السياسي المنظم.. إلا أنَّ الحركة الإسلامية بالمغرب وهي تقف إزاء ذلك كله تُعاني اضطرابًا في الفَهم أو في الوجدان النفسي…”، فبلغة النقد المغلفة بحرص المُحب وفقه العالِم وما للمعاتَب من خاطر يطرح الكاتب قضية الحركات الإسلامية ومواجهتها للفجور السياسي المتفشي في مجتمع بلاد المغرب على نحو خاص، إلا أنَّه وبالطبع كسائر كتاباته الماتعة فإن هذا الطرح المنظم المختصر يصلح لكل زمان ومكان.
مؤلف كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في أصول الفقه، وعمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل بمكناس في المغرب، كان عضوًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومن أعماله الأدبية: “كشف المحجوب”، و”ديوان الإشارات” و”ديوان المواجيد” و”كيف تلهو وتلعب”.