الفجور السياسي ومظاهره
الفجور السياسي ومظاهره
لفَهم قضية الفجور السياسي علينا أن نفهم المصطلح أولًا لنستوعب دلالته، فالفجور فسوق مُعلن يجاهر به صاحبه، بل ويدعو إليه، وأما نسبته إلى السياسي هنا فهو لتمييزه عما كان من فجور جِبِليّ طبيعي يرجع إلى الاستعداد الفطري للخير والشر، فالفجور السياسي إذًا فلسفة بشكل ما للفجور من خلال الممارسة والتحلي به خلقًا واتخاذه ثقافة واستعماله وسيلة للصد عن الحق والصلاح وتشويه للفطر السليمة ونشر للشرور والرذيلة في المجتمع، حتى تطمس الضمائر ويغيب داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النفوس.
أما عن مظاهر هذا الفجور الذي تتبنَّاه أحزاب وتشكُّلات سياسية تسعى إلى القضاء على التدين في المجتمعات بشتى الوسائل والطرق فقد تعدَّدت مظاهر فجورها على اختلاف الأصعدة المجتمعية، فعلى المستوى التعليمي والثقافي مثلًا في بلاد المغرب فلا تزال اللغة الفرنسية منذ زمن الاستعمار حاضرة في مناهج التعليم، ولا يخفى على عاقل باحث عن مجد أمته وبلاده أن اللغة من أول مقومات العزة والمجد والتحضر، فاللغة ليست تراكيب فحسب وإنما أسلوب معيشة وثقافة وطريقة تفكير وأساس للمنتجات والصناعات الحضارية، وعلى المستوى الفني فلقد تطوَّرت السينما تطورًا رأسيًّا باتجاه الحضيض والتدني بَدءًا من التسعينيات، حيث كانت تعرض أفلام الحركة والرياضة وقضايا الصراع الاجتماعي.
أما المسرحيات فلا نص ولا إخراج ولا مادة، وأما عن الأغنية فتتسابق مع السينما في بلوغ الحضيض! إن حاولت التركيز في الكلمات فلن تجد معنى لها، فضلًا عن فساد الأصوات والضجيج والصخب الموسيقي الفج، مما يصب في المصلحة السياسية بإنتاج جيل لا معنى له ولا يفهم شيئًا ولا يسأل عن شيء فينقاد طواعية لمن يتحكم به، ثم ظهر الغناء المصوَّر المبني على استعراض الألفاظ النابية والأجساد العارية، إذ إنَّ التأثر بالصورة والصوت، أي بالمظاهر عمومًا له دور كبير في تشكيل وعي الفرد، وقد علم ذلك الساسة فاستغلوا القنوات الوطنية المغربية تحت شعار الحرية في بث تلك المواد لتصل بكل سهولة إلى لَبنة المجتمع وعماده “الأسرة” فتتسرب إلى وعي الجيل الصاعد دون أدنى مشقة أو جهد.
الفكرة من كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
“إنَّ العمق الإستراتيجي للدعوة والعمل الإسلاميين إنما هو تدين المجتمع، كما تبين أنَّ أخطر ما يهدِّد ذلك هو موجة الفجور السياسي المنظم.. إلا أنَّ الحركة الإسلامية بالمغرب وهي تقف إزاء ذلك كله تُعاني اضطرابًا في الفَهم أو في الوجدان النفسي…”، فبلغة النقد المغلفة بحرص المُحب وفقه العالِم وما للمعاتَب من خاطر يطرح الكاتب قضية الحركات الإسلامية ومواجهتها للفجور السياسي المتفشي في مجتمع بلاد المغرب على نحو خاص، إلا أنَّه وبالطبع كسائر كتاباته الماتعة فإن هذا الطرح المنظم المختصر يصلح لكل زمان ومكان.
مؤلف كتاب الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في أصول الفقه، وعمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل بمكناس في المغرب، كان عضوًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومن أعماله الأدبية: “كشف المحجوب”، و”ديوان الإشارات” و”ديوان المواجيد” و”كيف تلهو وتلعب”.