بين اليقظة والنوم

بين اليقظة والنوم
اعتاد العلماء التفكير في النوم على أنه مرحلة يكون فيها الدماغ نائمًا، ولكن بدأ هذا التفكير يتغير مع دراسة الحالات التي تُعاني من اضطراب السير في أثناء النوم، وغيره من اضطرابات نوم مرحلة حركة العين غير السريعة، التي تُؤكد خطأ هذا التفكير، وأن المخ يمكن أن يكون في حالة مزدوجة بين اليقظة والنوم، وقد أثبت صحة هذا التفكير باحثون سويسريون سجلوا نشاط الدماغ في أثناء سير صبي سنه 16 عامًا في أثناء نومه باستخدام تقنية SPECT، وبمقارنة النتائج مع شخص طبيعي في نوم عميق، ظهر نشاط مرتفع في منطقة القشرة الحزامية الخلفية التي يتمثل دورها في أثناء اليقظة في التحكم بالسلوك المرتبط بالمشاعر القوية، بينما أظهرت القشرة الجبهية الصدغية نشاطًا منخفضًا مقارنة بحالتها في اليقظة، إذ يكون دورها هو القدرة على التخطيط والتفكير المنطقي والصفات الشخصية.
تلك الطبيعة المزدوجة لحالة المخ تُفسر السلوكيات المُعقدة التي تحدث في أثناء سيرنا نيامًا، فالشخص الذي يمشي أو يتحدث في نومه تكون أجزاء الدماغ المسؤولة عن الرؤية والحركة والتحدث مستيقظة لديه، بالإضافة إلى القدرة على الحركة والتحدث بجمل مفيدة سليمة، بينما تكون المناطق المسؤولة عن التفكير المنطقي والذاكرة في سبات عميق، وهذا بخلاف ما يحدث لمن يفعل أمورًا تحتاج إلى التفكير مثل: قيادة الدراجة والذهاب إلى أماكن مختلفة، فالجزء المتوقف عن العمل هنا هو الذاكرة.
وقد بحث العلماء عن الأسباب التي تسبب حدوث هذه الاضطرابات في المخ، ولكن حتى الآن لم يكتشف السبب الحقيقي، فهناك دراسات تُشير إلى أن الأشخاص المصابين باضطراب السير في أثناء النوم وغيره من اضطرابات نوم مرحلة حركة العين غير السريعة لديهم استعداد وراثي للإصابة بها، بينما يُشير بحث آخر إلى وجود ارتباط بين هذه الاضطرابات ومنطقة من الجينوم يرمز إليها بنظام HLA، وهو مجموعة من الجينات لها وظائف مناعية، ولكن النتيجة المؤكدة أن هناك عوامل بيئية وحياتية تحفز ظهور هذه الاضطرابات مثل: الحرمان من النوم، أو الكحوليات، أو الضغوطات اليومية، وإزالة هذه المحفزات تعمل على علاج الاضطرابات بالإضافة إلى العلاج الدوائي، الذي يشمل تناول أقراص الميلاتونين، ذلك الهرمون الذي ينتجه المخ إشارة إلى النوم، والمعروف باسم “محفز النوم”، إذ يُعد مكملًا غذائيًّا في العديد من الدول، ويُمكن استعمال مضادات الاكتئاب أو البنزوديازبينات ولكن بعناية، فالأدلة العلمية على دورهما في علاج اضطرابات النوم محدودة، ولكليهما آثار جانبية.
الفكرة من كتاب “الدماغ الليلي: الكوابيس، علم الأعصاب، وعالم النوم السري
بعد يومٍ شاق مليء بالعمل كل ما نفكر به عندما نعود إلى المنزل أن نحظى بقسط من النوم الهادئ نجدد به نشاطنا لاستقبال يوم جديد، ولكن بعض الأشخاص رغم رغبتهم الشديدة بالنوم فإنهم وبسبب حدوث خلل في مراحل نومهم لا يقضون ليلتهم بشكل هادئ، بل إن بعضهم لا يعرفون سببًا لعدم قدرتهم على النوم أو أن جودته نومهم سيئة، ولهذا فإن هذا الكتاب يستعرض اضطرابات النوم الشائعة التي قد يعاني منها بعضنا، ويذكر طُرق التعامل معها، والتقليل من حدوثها.
مؤلف كتاب “الدماغ الليلي: الكوابيس، علم الأعصاب، وعالم النوم السري
جاي لشزينر: أستاذ علم الأعصاب وطب النوم في معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في كينغز كوليدج لندن «King’s College London»، كما أنه استشاري في مستشفيات غاي وسانت توماس «Guy’s and St Thomas’ Hospitals» ومستشفيات أخرى، دَرَسَ الطب في كلية ماجدالين «Magdalen College» بجامعة أكسفورد والكلية الإمبراطورية «Imperial College» في سانت ماري، وأكمل الدكتواه في علم وراثة الصرع وإدارة الأدوية في إمبريال كوليدج لندن «Imperial College London» ومعهد ويلكوم ترست سانجر «Wellcome Trust Sanger Institute» في كامبريدج.
كان يقود مركز اضطرابات النوم بمستشفى جاي «Guy’s Hospital» الذي يقدم أكبر خدمات النوم في أوربا، إضافة إلى تقديمه سلسلة “أسرار النوم” على راديو BBC 4 وBBC World Services، ومن مؤلفاته:
The Man Who Tasted Words: A Neurologist Explores the Strange and Startling World of Our Senses
Seven Deadly Sins: The Biology of Being Human
معلومات عن المترجم:
داليا هشام سباعي: طبيبة نفسية ومترجمة، تخرجت في كلية الطب بجامعة القاهرة، وتكتب مقالات في منصة «Sasa Post»، ومهتمة بترجمة كتب الصحة النفسية وتطوير الذات، ومنها كتاب: «فن احتواء الذات: دليلك العملي لفهم نفسك والاستماع إلى أصواتك الداخلية».





