مستلزمات دراسة أي واقع اجتماعي

مستلزمات دراسة أي واقع اجتماعي
إن مفهوم الأيديولوجيا ينتعش في الدراسات الاجتماعية، ويموت في الدراسات الفلسفية والمنطقية، فإذا أردنا تأمل تأثير أي أيديولوجيا في الفكر، فإننا نبحث في الحدود الموضوعية التي ترسم أفق هذا الفكر، المتمثلة في حدود الانتماء إلى أيديولوجية سياسية، وحدود الدور التاريخي الذي يمر به المجتمع ككل، وحدود الإنسان في محيطه الطبيعي، وأن أي بحث يدور حتمًا على المفاهيم الثلاثة في الوقت نفسه، ويختلف البحث باختلاف مدرسة الباحث التي ينطلق منها، فإذا احتفظت كل مدرسة -سواء كانت هِيجلية أم ماركسية أم فرويدية- بطريقة رؤيتها للكون ونظريتها للعلم، فإنهم جميعًا يتداخلون في مجال المناظرة السياسية واجتماعيات الثقافة، إذ تستغل المناظرة كل السبل المتاحة للوصول إلى أهدافها، فلا تبالي بهتك حرمة منظومة فكرية مرتبطة بفئة اجتماعية ما، رجاء الحد من سلطانها وتقويضه.
في حين تربط الاجتماعيات الثقافية كل منظومة فكرية بقاعدة ثابتة -هي التاريخ- دون التقيد بأي فرضية نظرية، ولا تفسر الأشياء من حيث عليتها أو أسبابها الغائية، فتبدو نتائجها دائمًا ظنية، تنبني على علاقات ذات مغزًى لنا، لا بالنسبة إلى الأشياء، وعليه فإن دراسة أي واقع اجتماعي معين تستلزم استعمال الأيديولوجيا، فنبصر مجموع المنظومات الفكرية التبريرية الموجودة في المجتمع المدروس، ومن ثم ندرك الذهنية المتحكمة في كل حركات ومنظومات ذلك المجتمع، ولا ننسى أن نعي مفهوم العلم في عرف ذلك المجتمع، فلا تتناول الدراسات الاجتماعية البحث في نشوء الأيديولوجيا إلا تاهت في عموميات لا سبيل إلى تخطيها.
وبذلك يكون هناك اختلاف بين المفهوم الأيديولوجي والمفهوم الفلسفي أو العقَدِي، إذ ينظر المفهوم الفلسفي أو العقدي إلى الكون على أنه إما حقٌّ وإما باطل، إما أبيض وإما أسود، أما المفهوم الأيديولوجي الذي يتمثل في النظرة التاريخية والاجتماعية، فهو ينبني على مخالفة الفكر للواقع، ومن ثم لا يمكن معه أن ننظر إلى العالم على أنه عالمان فحسب عالم حق وآخر باطل، وعليه فمن يساوي بين كلا المنظورين -الفلسفي والأيديولوجي- نفى ضمنيًّا المجتمع والتاريخ والعلم الكسبي.
الفكرة من كتاب مفهوم الإيديولوجيا
ما من أحدٍ يطالع كتابًا يتحدث عن الثقافة والفكر إلا اعترضته لفظة “أيديولوجيا”، فما معنى هذا اللفظة؟ وما الذي تحويه من دلالة؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت؟ يرى العَرْوِي أن المفاهيم النظرية هي المدخل الأساسي لأي مراجعة معرفية، فاندفع لكتابة سلسلة المفاهيم التي منها هذا الكتاب، وكان أخصها مفهوم الأيديولوجيا، الذي يعد المدخل الأساسي للتعاطي مع أي منظومة فكرية معينة، أو سياق تاريخي لتيار أو مدرسة معرفية ما، فحاول العَرْوِي ترسيم دلالات مفهوم الأيديولوجيا ومجالاته ومراحل تطوره، وصيرورته التاريخية.
مؤلف كتاب مفهوم الإيديولوجيا
عبد الله العروي: مفكر وأديب وروائي مغربي، ولد في مدينة أزمور المغربية عام 1933م، تلقى تعليمه في العاصمة الرباط، ثم أكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون في فرنسا عن أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1830-1912″، ثم عمل بعدها مدرسًا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس، أصدر عديدًا من المؤلفات، ومنها:
الإيديولوجيا العربية المعاصرة.
العرب والفكر التاريخي.
ثقافتنا في ضوء التاريخ.
مفهوم الحرية.
مفهوم الدولة.

